منذ أن أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في عام 1971، عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على إقرار مجموعة من الخطط والبرامج والاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز أمن الغذاء واستدامته، وذلك بالنظر إلى تطوير القطاع الزراعي كأولوية كبرى، وجعله محوراً حيوياً بارزاً في تحقيق هذا الأمن، من خلال استخدام أفضل الممارسات وأحدث التقنيات التي لم تتمكن فيها التحديات المرتبطة بالمناخ من الوقوف أمام تحقيق العديد من النجاحات في هذا القطاع، وخاصة على صعيد تقدّم الإنتاج الزراعي المحلي، والتوق لاحقاً إلى تصديره.
وفي ظل أزمة انتشار وباء كورونا عالمياً، كثّفت دولة الإمارات من خططها الهادفة إلى منح مواطنيها والمقيمين على أرضها شعوراً وإيماناً مطلقيْن بتوافر الغذاء بكميات ونوعيات عالية، حيث انتعشت الزراعة بشكل ملحوظ في الدولة، على الرغم من أن سلسلة الإمداد الغذائي فيها لم تتأثر من حيث الإنتاج المحلي أو المخزون الاستراتيجي أو الاستيراد من الخارج. ففي السنوات القليلة الماضية، حققت دولة الإمارات طفرات مهمة في الإنتاج الزراعي الذي وصل إسهامه إلى ما يزيد على مليون طن سنوياً من متطلبات السوق من الخضراوات والفواكه والمحاصيل الأخرى، إضافة إلى وصول عدد المزارع فيها إلى نحو 830 ألف مزرعة.
وأكثر ما يؤكد قدرة دولة الإمارات على الريادة في قطاع الزراعة، وبرغم صعوبة ظروفها البيئية، هو النجاح الذي حققته في مطلع يونيو الجاري، حين سجلت وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع إدارة التنمية الريفية التابعة لوزارة الزراعة والأغذية والشؤون الريفية في جمهورية كوريا الجنوبية، وجامعة الإمارات، نجاحاً في التجارب الأولية لزراعة أصناف من الأرز على أرض الدولة، لتصبح بذلك صاحبة التجربة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط في زراعة الأزر في بيئة صحراوية، وهو ما يأتي ضمن أهداف الدولة الخاصة بتعزيز منظومة البحث العلمي والابتكار والتجارب التطبيقية، وتمكين الاستفادة منها في إطلاق المشاريع البحثية والتطبيقية المتعلقة بالزراعة والغذاء مستقبلاً، بحسب معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة.
واعتمدت دولة الإمارات مبدأ الابتكار واستحداث أنماط زراعية جديدة تسهم في تعزيز تنوع المحاصيل المنتجة محلياً في المستقبل، حيث كانت أول دولة عربية تعتمد المزارع العمودية للمحافظة على الموارد الطبيعية وخفض معدل استهلاك المياه بما نسبته 90% عن المزارع التقليدية. وإضافة لذلك واصلت الجهات المعنية في الدولة تقديم إعانات مالية للقطاع الزراعي وإقرار إعفاءات ضريبية على الأغذية التي يتم إنتاجها محلياً، وذلك في ظل سعي الحكومة إلى تحقيق هدف استراتيجي يقوم على جعل نصف الغذاء المستهلك يتم إنتاجه محلياً. كما بات تركيز الدولة في الفترة المقبلة، وكما قالت وزيرة الدولة للأمن الغذائي مريم بنت محمد المهيري، مؤخراً، وخلال الاجتماع الثاني لفريق تنمية قطاع الزراعة الحديثة، على بحث سبل تطوير قطاع الزراعة الحديثة التي تعتمد بشكل كبير على تعزيز قدرات الطاقة والمغذيات والمياه وتوظيف علم الوراثة في الاستراتيجيات الغذائية كافة، ودمج علوم الزراعة المائية والروبوتات وغيرها من التقنيات، بما يخدم أهداف الزراعة الحديثة ويطور آليات مبتكرة بأيادٍ وطنية، ويخلق نموذجاً مبتكراً لإدارة الأنظمة الزراعية الحديثة يتم تصديره إلى العالم مستقبلاً.
لقد خلقت الأزمة التي يمر بها العالم بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، وما سبّبه من توقف أو تذبذب في سلاسل التوريد، محفِّزاً لدولة الإمارات على تأمين مصدر محلي بديل يعزز من استدامة سلاسل التوريد، وتوظيف التكنولوجيا الذكية في أنظمة الزراعة والأغذية المبتكرة وأنظمة الزراعة المغلقة، وعلوم الجينوم والهندسة الوراثية، وغير ذلك من الآليات التي ستجعل الدولة رائدة في المجالات الزراعية، باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من مستهدفات الدولة التنموية، والتي تتحقق عبر منظومة غذائية قادرة على مواجهة التحديات القائمة والمتوقعة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.