يمكن التعرف على المرحلة الأولى في الحياة العلمية للدكتور محمود حمدي زقزوق عندما كان أستاذاً بكلية أصول الدين، فعميداً فنائباً لرئيس جامعة الأزهر على مدى عقدين من الزمان، أي تقريباً منذ كتابه «مقدمة في علم الأخلاق» (1972) حتى كتابه «الإسلام في تصورات الغرب» (1987)، حيث ألّف أحد عشر كتاباً، منها كتاب واحد مترجم («مدخل إلى الفكر الفلسفي» لجوزيف بوخينسكي)، ومراجعة واحدة («محاضرات في فلسفة التاريخ لهيجل»)، وثلاث رسائل في المعرفة للغزالي. وقد غلب على هذه المرحلة التأليف الجامعي لفائدة الطلاب كما يفعل معظم الأساتذة في بداية حياتهم الجامعية.
كان للأستاذ زقزوق مشروع فلسفي في بداية حياته الجامعية، ألا وهو التأريخ للفلسفة «الغربية خصوصاً» لإفادة طلاب الأزهر الأكثر تعوداً على الفلسفة الإسلامية. وكان المشروع منصباً حول الفلسفة العملية، أي الأخلاق والسياسة والاقتصاد، وليس الفلسفة النظرية «أي المنطق والطبيعيات والإلهيات». وأحياناً تظل الفلسفة نظرية خالصة، كما هو الحال في كتابه «تمهيد للفلسفة»، وهو قسمان: مقدمات ومباحث، المقدمات أربعة فصول تتناول مفهوم الفلسفة ورسالتها ومجالاتها ودوافع التفلسف وعلاقة الفلسفة بغيرها من المجالات كالعلم والتاريخ والدين. أما المباحث، فتشمل المعرفة والوجود، وهما مبحثان نظريان. ولا يشتمل الكتاب على مبحث للقيم «أي الفلسفة العملية». إنه كتاب جامعي أشبه بالمساق العام للطلاب في السنة الأولى، يتسم بالموضوعية والحياد ويخلو من المواقف الحادة والأحكام المسبقة.
وزقزوق مؤرخ للفلسفة، الإسلامية والغربية، فقد كتب «مقدمة في الفلسفة الإسلامية»، وهو كتاب جامع يتضمن ثمانية فصول تتطرق إلى مفهوم الفلسفة، ودور الإسلام في تطوير الفكر الفلسفي، والعقل ومجالاته في فكر الغزالي، وابن رشد وآراؤه في الصلة بين الدين والفلسفة، ومكانة العقل في فكر الشيخ محمد عبده، ومفهوم التصوف الإسلامي، والقيم الخلقية في الفكر الإسلامي، وصلة الفلسفة الإسلامية بالفلسفة الأوروبية.. إنه مقدمة فريدة في الفكر الإسلامي لا تتبع لا المنهج التاريخي ولا المنهج الموضوعي، نظراً لأنها عدة مقالات متفرقة مجمّعة في ثمانية فصول من وحي المناسبات، ويجمع بين ثلاث شخصيات «الغزالي وابن رشد ومحمد عبده».
والأخلاق في الفكر الإسلامي ليست علماً مستقلاً عن أصول الدين وأصول الفقه وعلوم الحكمة والتصوف، ولا عن العلوم النقلية الخمسة «القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه». الأخلاق رؤية للعالم، وهي مبثوثة في جميع العلوم الإسلامية القديمة. وليس تصنيف العلوم هو ما أعطته علوم الحكمة فقط، نظرية «المنطق والطبيعيات والإلهيات» وعملية «الأخلاق والسياسة والاقتصاد».. فكل علم له تصنيفه للعلوم. وفي علم الكلام العلوم إما نقلية أو عقلية.. وفي التصوف توجد علوم النظر وعلوم الذوق.. وفي الفقه توجد علوم الأصول وعلوم الفروع.. وعند المؤرخين هناك علوم العرب وعلوم العجم، علوم الأواخر وعلوم الأوائل.
وعلى هذا النحو اهتم زقزوق أيضاً بدور الإسلام في تطوير الفكر الفلسفي، وبالصلة بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الأوروبية.

*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة