في دراسات النظم السياسية المقارنة الحديثة، طرأت ثورة علمية يصطبغ بها التحليل السياسي الحديث، ابتعدت بشكل يثير الانتباه عن الدراسات المؤسسية في صيغها الدستورية والقانونية سائرة باتجاه دراسة تفاعلات القوى السياسية الموجودة ودور القوى الاجتماعية التي تقف وراءها واقعياً.

لكن هذا التحليل السياسي الحديث لم يتمدد بشكل واسع نحو دراسة الاتحادية، ربما لأنه يتم النظر إليها من قبل علماء السياسة على أنها أطر بنائية، تعمل السياسة في داخل أسوارها عوضاً عن كونها تشكل عنصراً تشغيلياً في داخل السياسة ذاتها ما جعلهم لا يولونها كثير الاهتمام.

ودون أن توجد استثناءات رئيسية في العديد من الأعمال العلمية حول الأطر التنظيرية لمقولة الاتحادية تفحص بواقعية الأصول والأوضاع الخاصة بالمحافظة على الاتحادية واستمراريتها، خاصة في الدراسات المتعلقة بدولة الإمارات، لكن ما يهمنا يكمن في تعريفات تستخدم بالاعتماد على صيغ دستورية وقانونية، وتشير إلى تقاسم للسلطة وتوزيع للقرارات ما بين الحكومة الاتحادية كمركز والحكومات المحلية كأطراف.

ذلك التقاسم والتوزيع يشير إلى طريقة فيها لكل مستوى صفات ومحددات من الفعل الذي يمكن له من خلاله اتخاذ القرارات وسن التشريعات الاتحادية من قبل المركز والمحلية من قبل الأطراف كل واحد منهما على حدة دون الرجوع إلى الآخر، لكن ضمن تنسيق وتفاهم مشترك، ويمكن تطبيقها في دراسة الجانب التجربي للاتحادية في دولة الإمارات.

لقد أسهم قانونيون وخبراء دستوريون عرب مرموقون كوحيد رأفت ومحسن خليل والسيد محمد إبراهيم بأعمال مهمة في دراسات السلطة في دولة الإمارات عن طريق التركيز على الدرجة العالية التي تتشارك بها الحكومة الاتحادية مع الحكومات المحلية في صنع القرار المتعلق بالوظائف الحكومية نفسها عوضاً عن تقسيمهم للوظائف الخاصة بالحكومة، بحيث يكون لكل مستوى من مستوياتها المنطقة المنفصلة الخاصة به التي يتحرك ويعمل فيها.

والواقع أنه عندما يقوم الباحثون في الشأن الإماراتي بالتركيز على معنى الاتحادية اعتماداً على المنهج الدستوري - القانوني، فإن ما يجدونه هو منظومة من الخصائص والصفات ذات الطبيعة الرسمية التي لها القليل من الأهمية من وجهة نظر التحليل السياسي للنظام الاتحادي في دولة الإمارات. وفي الواقع لدى الإمارات تجربة خاصة بها في الفيدرالية (الاتحادية) تتميز باللامركزية وبالتكامل والمشاركة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، في تداخل بنّاء يخدم المسيرة التنموية.

ومعنى ذلك أنه حتى عندما يتم الإيفاء بالخصائص والصفات الرسمية، فإنها تخبرنا بالشيء القليل عن مميزات الدولة والمجتمع التي تعكس خصوصية التجربة الاتحادية الإماراتية، ففي دول كثيرة توجد نظم اتحادية، لكن يبقى أنه توجد عناصر مهمة من اللامركزية والاستقلال المحلي.

وبغض النظر عن هذه الزوايا الفارقة، إلا أنه يبقى أن الإسهام في لا مركزية اتخاذ القرار السياسي، هو الأمر الذي يعتد به عادة بأنه القيمة الحقيقية الأولى للاتحادية بشكل عام.

وبالمثل، فإن الطرح التقليدي المتداول حول التكامل الفعال بين السلطات في دولة الإمارات، هو طرح يثبت بأنه صحيح وواقعي وذو مصداقية مع مرور الزمن,  لـذلك، فإن مقولة الاتحادية في دولة الإمارات من زاوية تطبيقها التجريبي لا ينطبق عليها الحديث القائل بوجود مؤسسات دولة منفصلة عن بعضها بعضاً، لكنها تتشارك في السلطة، فالحالة العملية والواقعية بصورتها الموجودة في دولة الإمارات تفصح عن علاقات واختصاصات متداخلة بين المجلس الأعلى للاتحاد ورئيس الدولة ومجلس الوزراء الاتحادي والسلطة القضائية، والمجلس الوطني الاتحادي، تتكامل من أجل التنمية وتحقيق الإنجازات، فالسفينة الاتحادية أثبتت أنها تسير إلى الأمام، وهي في سلام وأمان.