سوف نخرج من حفرة كورونا، وسوف يبقى في الذاكرة، تاريخ غير حميد، وسوف يدلي صغار اليوم لمن سيأتون من بعدهم عن طامّة حفلت بها الأمم، ثم أزاحت إلى زوال، وقد أخذت معها أرواحاً، بعد أن عبثت بالنفوس والرؤوس.
ولكن ليس كل هذا ما في الأمر، بل إن ثقافة جديدة سوف تطل على العالم، وقد يتبعها سلوك جديد، وكذلك فلسفات جديدة في حياة الناس، تغير من مجرى الأنهار، والبحار، والأشجار والأطيار، وذلك كما يحدث في تاريخ البشر، بعد كل جانحة، سانحة.
فمنذ الشهر الأول لوباء كورونا، رأينا كيف تغير المزاج البشري، وكيف تحول بريق العيون إلى غشاوة، وتقطيب في الجبين، رأينا أن قضاء يوم واحد بين الجدران الأربعة بالنسبة للذين، (يتحوطون) في اليوم، ساعات، وساعات، يصبح كمن يقضي يومه في بئر مهجورة، ورأينا كيف أصبحت وجوه اللواتي أغلقت أمامهن محلات التسوق، وكيف كن يجلسن أمام شاشات التلفزيون، كمن فقدت فلذة كبدها، أو ضيّعت حبيباً.
كل ذلك حدث، وكورونا يجول في كل شق، وثقب، ولا يبالي بما يحدث لذوات القلوب المفطورة، كل ذلك يحدث وكورونا يمارس عبثيته، وعدميته في بلاد العالم، ومن دون ضمير، لأنه كائن وحشي مفترس، لا تأخذه رأفة، ولا رحمة بما يصيب به الناس من ضرر، وأسى، لأنه مخلوق مثل كل مجرم، وسفّاك دماء، ومثل كل كائن أناني، وباطش، وأثيمي لا يعرف غير القتل، ولا يفهم غير منطق القوة، والعالم في هذا الظرف أعلن استسلامه وعجزه عن العثور على مصل يقضي على هذا العدو الغاشم، والعالم صار يئن من فداحة الخسائر التي ألمّت به، ومن عظم المصاب الذي حلّ به.
اليوم حتى الأطفال يتحدثون عن جائحة كورونا، ويخوفون بعضهم بعضاً من هذا الوباء، وحتى أحلامهم الوردية لبست رداء الخوف، وحتى خيالاتهم ارتدت قميص الفزع، ولم تعد العيون المشعة ببريق البداهة، كما كانت ولم تعد الشفاه التي كانت تتحدث بعفوية كما هي، كل شيء تغير، ولكن ومع كل ما يحدث في هذا الظرف الطارئ، فإننا على يقين من أنه سيمر، وسوف نخرج بأمان، ولكن كل ما نتمناه، أن يصبح جرح اليوم جدول وعي لنا ولكل من كان في غيبوبة زمانه، وأهم ما نتمناه أن يعي البعض قيمة ما قدمه الوطن، لكل مواطن ومقيم في هذه المحنة الأليمة.
ونتمنى ألا يكون هذا الظرف مجرد زوبعة في فنجان لا يذكرها من يجب عليه أن يتذكرها، وأن تكون له سانحة للتفكر، كما كانت له جانحة، وتضور.