يا أيها الفيروس الشرس المسافر في خلايا أجساد ضحاياك، وفي أحزان الطفولة، وفي خوف الأم التي تحنو على المهد، التي تصوغ الحنين للطمأنينة في الليل من ومض بروق الأمل، ومن فيض الحلمة المرضع ورائحة الفل والياسمين حين تنثر أريجها كهمس الأمل في هدوء المساء. يا أيها الفيروس المسافر في الحناجر والخلايا أوجعت سمع الليل وهدأة النهار. وأيقظت خطوات نصلك الجارح غفوة الأطفال المطمئنين في حضن الأمومة والمساء. حاصرت أوراق الشجر في حديقتي فتساقطت صمتاً كأنها نهنهة البكاء. ولم تزل حالمة تنتظر هطول أمطار الخصوبة من شفة الشتاء، لتفيض بالخصب والثمار في ربيع يفيض بالخير والعطاء. أيها الفيروس المستبد إلى متى ستظل تبحر في محيط حياتنا، زارعاً رايتك الهوجاء وجعاً وأحزاناً وفقداً وجراحاً؟ إلى متى يبقى الحلم ينتظر رحيلك، كأن أحلامنا حقائب السفر إلى مرافئ السلامة والأمان؟ كأن أغنية الحلم التي نرددها كل صباح وشماً تلوح على المرافئ، والرياح تهب وتجري بما تشتهي سفن الوصول والأمان؟ ها هو البحر يبكي موصول النشيج ينادينا، لنستحم في أحضانه، فالأرض والسماء تلونت حمماً وغضباً على بشر لم يلتفوا من لفح الوباء بأردية الأمل. 

يا أيها الفيروس المقامر بحياتنا، أوقف تفشيك في أجساد البشر، فبارقة الرجاء تمد أعنتها وسلطتها على قسوة اجتياحك كي تغادر شرفة الوقت الذي يهدد حياتنا، ويكسر أقبية الرماد التي خلفتها في مسار أيامنا بالخوف والترقب ونشيد الأمل. قلبي يلونه الحنين إلى السلامة والأمل والرجاء. ورغبتي تسوّرها الأماني، ولا تلتف بأحزمة المخاطر، وعيناي لا تفيضان بدمع النواح، لأنني سأكون كطائر البحر المهاجر يحلق حين تبدل الفصول في هبوب الرياح. يمد جناحيه كإيقاع الزمن حين يعزف أحلامه على وتر السلامة وإيقاع الفصول ونغمة للحنين. 

أعرف أن المواسم غيرت ميعادها بسطوة هذه الجائحة المستبدة. والتفّ خصب الحقول بالقحط، والأزهار بأشواك الانتظار. لكنني مفردة وجمعاً أحتفي بمن سيستكينون إلى عزلتهم دون تذمر أو قلق، وبمن سيلتزمون بتعاليم الوقاية التي تبثها دولتنا الحبيبة للحفاظ على صحتنا وصحة كل الأحباب، الأقربون منهم والبعيدون الذين يجلسون مطمئنين تشد على نواجذهم أحلام الانتظار! حين يرخي الليل سدوله على غفوتي أربت على قلبي وروحي ألا أحلم بكل ما قرأته عن أخبار هذا الفيروس المستبد على قنوات التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي والصحف، الأخبار التي تنقش كالوشم في خلايا دماغي وترعبني بأحلامها!!