علاقة الدول دائماً عملة ذات وجهين أو باتجاهين، وإلا لن تصبح رائجة بين الطرفين، أما تركيا في هذه اللحظات، فإنها تستخدم ضد العرب والمسلمين وجهاً ثالثاً، لم نكتشفه في العملات أو العلاقات بين الأشقاء أو الأصدقاء أو الخصوم، الذين حولهم ذلك الوجه الثالث للأعداء الأشد عداوة من إسرائيل ذاتها.
تركيا تُسوق لما يسمى جماعات «الإسلام السياسي» تحت لافتة «تحرير القدس»، التي سلمها ترامب هدية بخسة لتكون عاصمة إسرائيل «الأبدية».
كيف يصدق السذج - ليس المتمسكين بالإسلام السليم- هذه الدعاية السمجة في استرداد القدس من فم الأسد الأميركي، وتركيا الحليفة «الناتوية» لإسرائيل؟!
علاقة تركيا بإسرائيل، تبدو بالنسبة لأنقرة، أقدس من «القدس» التي تتشدق بتحريرها، حتى ينطلي الأمر على «حماس» وأتباعها و«حزب الله»، وأنصاره من جنرالات «فيلق القدس»، وغيرهم من تُجار الشعارات في سوق «النخاسة» السياسية.
أليست تركيا زعيمة دعاة تدويل الحرمين الشريفين، وهي ليست من دعاة «تدويل» القدس على أهميتها للديانات السماوية الثلاث؟ هل يعقل بأن نرى يوماً تركيا طائراتها تقصف تل أبيب دفاعاً عن قدس الأقداس، وهي التي تقيم علاقات كاملة الشروط مع إسرائيل، رغم أن أصحاب القضية المركزية لم يصلوا بعد مع إسرائيل إلى مرحلة الاعتراف بوجودها الطبيعي، مع دخول البعض في اتفاقيات سلام معها، وليس أدل على تناقضات السياسة الأردوغانية من التدخل العسكري التركي السافر في ليبيا، الذي يعتمد على طائرات من دون طيار مستوردة من إسرائيل، ناهيك عن اتفاق بين تل أبيب وأنقرة على استمرار التوتر في المنطقة، وبالأخص استمرار الأزمة السورية، وكل تصرفات تركيا التدخلية في المنطقة، وما ينجم عنها من توترات، تصب في مصلحة إسرائيل، التي يهمها تدهور الأوضاع في الدول العربية لتبقى قوة وحيدة بالمنطقة.
في ليبيا، تركيا تسرح وتمرح وتقصف وتقتل وتحتل مساحات شاسعة منها حتى أقلقت دول الجوار، وكأن القدس سكنت طرابلس الليبية، وليست المطلوب استردادها من إسرائيل.
انظروا إلى عمق العلاقة التركية- الإسرائيلية، من خلال صحفهم ومنها صحيفة «زمان» التركية: قال وزير الخارجية الإسرائيلي «يسرائيل كاتس»: إنه التقى بمسؤولين رفيعي المستوى في بعض الدول العربية، وقدَّم لهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نموذجاً، لتقارب وتوطيد العلاقات مع تل أبيب، أوضح «كاتس» أن بعض الشخصيات من عائلة «أردوغان» الذين يمتلكون سفناً للشحن، يقومون بالتجارة عبر الطريق المؤدي إلى خليج البصرة من ميناء حيفا في إسرائيل، الذي أصبح أكثر استخداماً في الفترة الأخيرة بعد اندلاع الحرب الداخلية في سوريا.
لماذا يتجاهل البعض بأن تركيا الحديثة لا علاقة لها بالإسلام، فهي لا زالت دولة علمانية، بمعنى أن الإسلام ليس في صلب المصلحة السياسية، فهي ترضع من تراث «الطورانيين» و«الكماليين» و «الأتاتوركيين»، وهم صناعة يهودية بامتياز، فلِم يقحم الإسلام في وسط هذا الطريق الشائك، ويستغل بهذه الصورة «الميكيافيلية» البشعة؟
ومن صور ذلك، هو إيهام «حماس» بأن تركيا هي خط الدفاع الأول لهم في وجه الصلف الإسرائيلي، فتدفع بهم إلى التهلكة وهم لا يملكون سلاحاً غير الطائرة الورقية للتحرش بإسرائيل، وكأن ميزان القوى العسكرية لصالح «حماس»، ما دامت تزعم بأنها ظهيراً لهم، وهي لم ترسل قذيفة واحدة تجاه إسرائيل في ظرف انتفاضتين قاسيتين على المحاصرين في «غزة» من قبل إسرائيل وسلطة «حماس».

لنترك كلمة الفصل لعقلائنا، وفي ثوان معدودات، يُشخص سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، مشكلتين من أهم مشكلات المنطقة: (قوى الهدم التي تحشد طاقاتها لصناعة الفوضى، والأوهام الإمبراطورية التي تسيطر على دول استعمارية إقليمية سابقة)، وينبغي على «العثملية» وأتباعهم ألا ينسوا أن امبراطوريتهم كانت «الرجل المريض» الذي تتقاذفه الأرجل.. فليفيقوا.