«أكاديمية الإعلام الجديد» التي افتتحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الاثنين الماضي، تمثل مبادرة نوعية لمواكبة إعلام العصر وامتلاك أدواته المختلفة، وتؤسس لمرحلة جديدة تعزز من تنافسية الإعلام الوطني وريادته على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أهمية هذه الأكاديمية لا تكمن فقط في كونها تعد الأولى من نوعها في المنطقة التي تهتم بتأهيل وبناء قاعدة كبيرة من الكوادر المتخصصة القادرة على قيادة الإعلام الرقمي، وإنما أيضاً لأنها ستسهم في تطوير صناعة الإعلام والارتقاء بمضمونه ومحتواه، ليأخذ في الاعتبار التطورات التي شهدها الإعلام في الآونة الأخيرة، وباتت تفرض على الجميع ضرورة مواكبتها والإلمام بقواعدها، من أجل بناء إعلام فاعل ومؤثر في مواجهة الأزمات والتأثير في تشكيل الرأي العام الدولي، بما يخدم الأهداف الوطنية للدول، ويعزز من مصالحها الاستراتيجية.
لم يعد يخفى على أحد تصاعد الوزن النسبي للإعلام الجديد في الآونة الأخيرة، كقوة فاعلة ومؤثرة في تشكيل الرأي العام، خاصة أنه يتميز بمجموعة من السمات التي تعزز من دوره المستقبلي، وتجعله يحظى بالمتابعة من جانب الغالبية العظمى من سكان الكرة الأرضية، ولعل أهمها الإتاحة والسهولة، ومرونة الوصول إلى عدد كبير من مصادر المعلومات والمواقع، والانسيابية وتجاوز كل الحدود والحواجز المكانية واللغوية والثقافية والسيادية.
في ظل الثورة الرقمية التي يعيشها العالم الآن، تعاظم دور الإعلام الجديد، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، التي يمكن اعتبارها أحد أهم الفاعلين المؤثرين من غير الدول، فلم يعد تأثيرها يقتصر على النظام الداخلي في دولة ما، وإنما أصبح يمتد إلى مجال العلاقات الدولية، وباتت تلعب دوراً في التفاعلات السياسية الدولية، حتى بات هناك ما يطلق عليه الآن «الدبلوماسية الرقمية»، في إشارة إلى تعاظم دور الإعلام الرقمي في صناعة الأحداث العالمية والتأثير فيها، فعلي سبيل المثال، يمكن لأي رئيس دولة، أو حتى زعيم حزب سياسي، مخاطبة ملايين الأشخاص بالصوت والصورة عبر «تويتر»، دون الحاجة إلى الإعلام التقليدي، أو اللجوء إلى القنوات التليفزيونية التقليدية.
كل هذه التحولات في مجال الإعلام الجديد - لا شك - ستعزز من أهمية «أكاديمية الإعلام الجديد»، التي ستعمل على تطوير منظومة العمل الإعلامي خلال الفترة المقبلة، سواء من خلال مواكبتها لتطورات الإعلام الرقمي في برامجها العلمية والتعليمية، أو من خلال استقطابها لأفضل نخبة من الأكاديميين والخبراء والمتخصصين في مجال الإعلام الجديد، وكذلك ممثلين لأهم أربعة شركات عالمية في مجال الإعلام الجديد ضمن طاقمها التعليمي، (فيسبوك، وتويتر، ولنكد إن، وجوجل)، ما يعني أنها ستوازن بين الجانبين الأكاديمي والتطبيق العملي، من خلال تحويل المفاهيم والنظريات العلمية إلى تجارب عملية من واقع الحياة، وهذا - لا شك أمر ينطوي على قدر كبير من الأهمية، لأنه سيتيح لمنتسبيها تطبيق ما تعلموه نظرياً، عبر صناعة المحتوى الرقمي بأنفسهم، فضلاً عن فرص الاطلاع على أحدث الممارسات في المجال الإعلامي، والتعرف على أدوات التأثير الإعلامي في عصر الثورة الرقمية، وهي بذلك تختلف عن أغلب المؤسسات الأكاديمية الإعلامية الأخرى، التي تركز بالأساس على الجوانب النظرية، وتفتقر إلى البرامج التطبيقية، ما يجعل هناك فجوة بين التعليم النظري والممارسة الإعلامية.
«أكاديمية الإعلام الجديد» ستمثل نقلة نوعية في صناعة الإعلام، وتضع الإعلام الوطني على أعتاب مرحلة جديدة من الانتشار والفاعلية والتأثير والتنافسية والريادة، كما ستعزز من مكانة الإمارات، كعاصمة إقليمية مؤثرة وفاعلة في النهوض بالإعلام الجديد، وتعزيز الخبرات الرقمية لدى المؤثرين وصناع المحتوى الرقمي المتميز في الإمارات والمنطقة بوجه عام، خاصة أنها تواكب أيضاً التحولات التي أحدثها فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» في العمل الإعلامي، سواء فيما يتعلق بتزايد أهمية الإعلام الرقمي بعد لجوء العديد من المؤسسات الإعلامية إلى وقف إصداراتها الورقية كإجراء احترازي، أو ما يتعلق بالتوجه نحو تطوير مضمون الإعلام والاهتمام بالإعلام المتخصص(العلمي والصحي)، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الإدارة الفاعلة للأزمات، ولهذا، فإن «أكاديمية الإعلام الجديد» تمثل «إعلام المستقبل»، الذي يهتم ببناء الخبرات وتنمية المواهب، ويسهم في الحفاظ على المصالح الوطنية للدول، ويرسخ من قوتها الناعمة في الخارج.