لا تدّخر دولة الإمارات جهداً ولا تفوّت فرصة للعناية بالطبقة العاملة وإيلائها جلّ الاهتمام وتوفير أفضل الظروف التي تضمن سلامة العمال وتحفظ حقوقهم وتحافظ على صحتهم وتمنع أي نوع أو شكل من أشكال استغلالهم أو التجاوز عليهم، سواء في الجانب المادي أو المعنوي، وذلك انطلاقاً من التقدير الكبير وعلى كل المستويات للدور الذي يؤديه أبناء هذه الطبقة في مسيرة النهضة والتنمية التي تشهدها الدولة، وعرفاناً بالجهود التي يبذلونها في القطاعات كافة، ليحظى كل من يعيش على أرض الإمارات بأفضل الخدمات وأجودها.
المبادرات التي اتخذتها الدولة في هذا المجال كثيرة ومتعددة وشاملة، وتكفل حصول العامل على حقه في الراحة عبر تحديد ساعات العمل، بما لا يزيد على 8 ساعات يومياً، واعتبار أي زيادة عن ذلك عملاً إضافياً يستحق عليه العامل أجراً إضافياً، وعلى أجره كاملاً غير منقوص ودون أي تأخير من خلال نظام حماية الأجور، وعلى إجازته مدفوعة الأجر وعلى حقه في مكافأة نهاية الخدمة في حال إكماله عدداً محدداً من سنوات الخدمة، وغير ذلك الكثير الذي يجعل سجّلها ناصعاً ومشرفاً، ويحافظ على مكانتها كواحدة من أكثر دول العالم جاذبية، سواء للمستثمرين أو للعمال.
ومن بين أهم المبادرات التي استهدفت حماية العامل والتخفيف عنه ما أمكن، خصوصاً في أشهر الصيف التي ترتفع فيها درجات الحرارة بمعدلات كبيرة، قرار حظر تأدية الأعمال في الأماكن المكشوفة وتحت أشعة الشمس المباشرة من الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً إلى الساعة الثالثة من بعد الظهر خلال الفترة من 15 يونيو وحتى 15 سبتمبر، والذي باشرت وزارة الموارد البشرية والتوطين تطبيقه منذ عام 2005 وسجلت فيه سبقاً لدولة الإمارات على المستويين الإقليمي والعالمي، وسعت من خلاله إلى إلزام الشركات والمشغلين بتوفير بيئة العمل الملائمة واللائقة للعمال وتحقيق التوازن في العلاقة بين العامل وصاحب العمل بشكل يحفظ مصالح الطرفين.
كلنا يعرف أن مناخ دول منطقة الخليج العربي يتميز بقسوته في أشهر الصيف، حيث درجات الحرارة العالية والرطوبة المرتفعة، وهي ظروف تزيد من صعوبة أداء الأعمال التي تحتاج إلى جهد بدني عند اشتداد القيظ، وهو أمر أخذته حكومتنا الرشيدة بعين الاعتبار لتجسّد بذلك معاني الرحمة والرأفة والإنسانية، وتعبّر عن القيم الأصيلة لمجتمع الإمارات في التراحم والتعاطف، والحرص على أن يشعر كل من يعيش على أرضها الطيبة بأن إنسانيته هي موضع الاحترام والتقدير ومحل الرعاية والاهتمام بصرف النظر عن طبيعة عمله أو نوع وظيفته، ودون أي اعتبار للون أو عرق أو معتقد، وأن المعيار في هذا الإطار هو المحافظة على الأرواح، وعدم تحميل أي إنسان ما لا يطيق.
اليوم يبدأ تنفيذ القرار لهذا العام، وهو ملزم للشركات والمؤسسات، سواء من حيث توقف عمالها عن أداء أي أعمال في المناطق المكشوفة خلال فترة الحظر، أو من حيث إلزامها باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لحماية العمال من مخاطر العمل، ومن بينها ضربات الشمس التي تنتج عن التعرض لأشعة الشمس المباشرة، والإجهاد الحراري نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ونسب الرطوبة اللذين يؤديان إلى فقدان الجسم كميات كبيرة من السوائل، ومن بين تلك التدابير توفير الأماكن المظللة والمياه المبردة لهم خلال وقت الاستراحة، وتنفيذ المبادرات التوعوية والإرشادية التي توضح للعمال ساعات العمل وأوقاته وتشرح لهم حقوقهم والواجبات المترتبة عليهم، بجانب توفير الوسائل الوقائية لحمايتهم من أخطار الإصابات والأمراض المهنية التي قد تحدث أثناء ساعات العمل، وكذلك أخطار الحريق وسائر الأخطار التي قد تنجم عن استعمال الآلات وغيرها من أدوات العمل واتباع جميع أساليب الوقاية الأخرى المقررة.
في السيرة النبوية الشريفة توجيه بألا يكلف الإنسان من يعمل عنده ما لا يطيق، وأن يعينه إذا شق العمل عليه، وهي قيمة عظيمة تستلهمها دولة الإمارات في حرصها على حقوق العمال، وهو حرص يتطلّب من القطاع الخاص المعني أكثر بهذا القرار التفاعل والتعاون معه، خصوصاً في هذا العام الذي يشهد ظروفاً استثنائية سببها انتشار فيروس كورونا المستجد، ما يستدعي إلى جانب الإجراءات السابقة توفير الإسعافات الأولية في مواقع العمل والالتزام بتطبيق التدابير والإجراءات الاحترازية للحد من تفشي الوباء، وبالتالي المحافظة على سمعة الإمارات وإنجازاتها في هذا المجال.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية