يعد التطوع من السمات المميزة لمجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحظى ثقافة التطوع بانتشار واسع في أوساط المجتمع كافة، وهذا ليس بالأمر الجديد، فالعمل التطوعي حظي بمكانة متميزة على الدوام لدى قيادتنا الرشيدة منذ تأسيس الدولة في الثاني من ديسمبر 1971، حيث كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، باني الدولة ورائد نهضتها الأول، حريصاً على أن يكون التطوع من الأعمدة الأساسية للدولة وللمجتمع.
ويعكس رسوخ التطوع كثقافة وكقيمة في المجتمع الإماراتي الطبيعة الخيّرة لدولة الإمارات التي تتميز سياساتها على الصعيدين الداخلي والخارجي بغلبة الطابع الإنساني، وهو ما يتبدى في العديد من المؤشرات والعوامل، ومنها المكانة الرائدة التي تحتلها الدولة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، حيث لا تترك الدولة فرصة لمساعدة الدول والشعوب الأخرى، وبخاصة في أوقات الأزمات والكوارث، الأمر الذي خلق صورةً ذهنية رائعة عن دولة الإمارات ومواطنيها، على امتداد الكرة الأرضية بأكملها.
وفي ظل حرص القيادة الرشيدة على تكريس التطوع وتعزيز ثقافته بشكل مستمر، تتوالى المبادرات الخاصة بمأسسة التطوع وترسيخ ثقافته، حيث تم تأسيس العديد من مؤسسات العمل التطوعي في إمارات الدولة كافة، وتم تخصيص الكثير من الجوائز التي تمنح لهذه المؤسسات وللأفراد المتطوعين لتشجيعهم على القيام بالمزيد من النشاط التطوعي، وكنوع من التقدير الخاص لما يقومون به من عمل جليل.
وتشهد إمارات الدولة خلال المرحلة الحالية جهوداً متواصلةً لدعم العمل التطوعي على المستوى المحلي، بشكل يتزامن مع الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف على مستوى الدولة. وفي هذا الصدد، أطلقت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، سياسة لتنظيم العمل التطوعي في الإمارة، بهدف إيجاد بيئة تطوعية لتفعيل منظومة العمل التطوعي في الإمارة من خلال نشر الوعي والتشجيع على المشاركة من قبل شرائح المجتمع كافة بمختلف أطيافهم ضمن معايير مهنية ثابتة في بيئة آمنة. وتضع هذه السياسة، كما يقول المهندس حمد الظاهري وكيل دائرة تنمية المجتمع، الأساسات التي تنظم البيئة التطوعية في الإمارة، مع ضمان توفير جميع الحقوق والواجبات لكل المتطوعين من الأفراد والفرق إلى جانب الجهات التي تستقطبهم سعياً لتفعيل منظومة العمل التطوعي ضمن إطار منظم يعزز المشاركة المجتمعية في إمارة أبوظبي.
والحاصل أن هذه السياسة ستشكل نقلة نوعية لتعزيز العمل التطوعي في إمارة أبوظبي، وهي تتمتع بميزة مهمة، لأنها تتيح تسجيل الفرق التطوعية من دون شرط التبعية لجهة أو مؤسسة، وهو ما سيسهم في استقطاب أصحاب التخصصات الطبية من الفرق والأفراد لدعم خط الدفاع الأول، الذي يقوم بدور شديد الحيوية حالياً لمكافحة جائحة فيروس كورنا المستجد (كوفيد- 19)، كما أنها تمثل جسراً للتعاون بين منظمات العمل التطوعي في الإمارة وفي الدولة، حيث ستشارك دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي في تطبيق هذه السياسة هيئةَ المساهمات المجتمعية «معاً»، التي ستؤدي دوراً في دعم البيئة التطوعية، من خلال نشر ثقافة التطوع واستقطاب الفرص التطوعية في إمارة أبوظبي إلى جانب إيجاد وتطوير فرص المشاركة والعمل المجتمعي التطوعي.
لقد أكدت الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة (كوفيد- 19) الأهمية الخاصة للتطوع والدور الذي يمكن أن تقوم به منظمات التطوع والأفراد المتطوعون في دعم جهود الدول والمؤسسات الرسمية في مواجهة هذه الظروف التي سببت الكثير من أوجه المعاناة الشديدة لمعظم الدول، وقد قام التطوع الجماعي والفردي في دولة الإمارات العربية المتحدة بجهد حظي بكل تقدير واحترام في التعامل مع تلك الظروف، وشهد المجتمع الإماراتي إطلاق العديد من المبادرات الخيرة لدعم جهود الدولة لمواجهة هذه الجائحة ومساعدة المتضررين منها، ولا شك أن إطلاق سياسة تنظيم العمل التطوعي في إمارة أبوظبي، سيسهم بشكل أكبر في تعزيز التطوع على مستوى العمل والثقافة في الإمارة وفي دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.