يقيننا أن العالم سوف يخرج من هذه الجائحة بدروس تاريخية لن تنسى، وأنه سوف يبري قلمه ليكتب عن راهنة أفزعت الجميع، ولكن الشرفاء هم فقط الذين استطاعوا أن يثبتوا أنه في الملمات تكشف المعادن عن سرها. ويقيننا أن من تخاذل عن أداء دوره الإنساني، سوف يقبع في جحيم إحساسه بالنقص، وسوف يدفع ثمن التخلي عن مسؤوليته الوجودية، بمكوثه عند الحفر السوداء، وسوف يتجاوزه العالم، وتمضي القافلة البشرية، وستصبح هذه الجائحة مجرد ذكرى، ودرس، وعظة.
الإمارات في وسط الجحيم العالمي، استطاعت أن تمشي بتؤدة، وأن تسير بثقة، وأن تخترق الغشاء السميك لحماقة الوباء، بقدرات فاقت التصور، وأذهلت القاصي والداني، بما قام به رجالها الأفذاذ من عمل بطولي، خارق، أثبت أنهم رجال المواقف الصعبة، وأنهم الدرع الواقي في ساعات المحن، وأن هذا البلد محصن بأبنائه، ورجاله المخلصين، والذين لم يتوانوا عن التضحية بأرواحهم، والخوض في معركة المصير بعافية القلوب الصادقة وصحة النفوس الوفية.
في هذا الزمن، وهذا المكان الذي يحمل اسم الإمارات، استضاءت سماء العالم بمصابيح الذين يحملون مشاعل الأمل للعالم، عندما حاول الوباء اللعين أن يطفئ الأنوار، وهكذا تمضي القافلة، محملة بزاد الحياة، وأمصال الفرح، إيماناً من قيادتنا النبيلة، أن الحياة كالنهر لا يوقف مجراه ما يعترضه من صخور، وأن الإنسان الحقيقي هو من يختار شكل حياته، ولون مصيره، ولا شيء أقوى من الإرادة عندما تتحول إلى واق يصد ويرد كل أشكال المحبطات، والمثبطات، والمنغصات، والمكدرات، ومفسدات الفرح.
هكذا استطاعت الإمارات بإرادة عشاق الحياة، أن تنثر بذور المحبة، في كل رقعة من هذه الأرض الوسيعة، وأن ترويها من عرق المحبين، والذين تربوا على فكرة أن الإنسان أينما كان، فهو من عرق واحد، ودين واحد، وما الفرقة إلا ديدن الكارهين، والمتشبثين بمناجل الهدم، والتدمير.
هكذا تفهم الإمارات العلاقة مع الآخر، بأنها لا تستقيم إلا بالتلاحم. الوحدة، وثقافة الواحد جزء من الكل، والكل خيمة الآخر.
هكذا تسير ركاب الإمارات، بخفاف المطالعات إلى العلا، اليافعات، اليانعات، الناصعات، النابعات من أصول الغافة الأصيلة، ونخلة الأحلام الزاهية، ودر البحر النجيب.
هكذا تقرأ الإمارات الواقع، فتسرد للآخر سر الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الخلق، وأسباب الاحتكام إلى الضمير الحر، في العلاقة مع أبناء آدم وحواء.