أجل، إذا لم نبتهج في هذه الأيام المفزعة، فمتى؟.. ها هم الناس يهزجون ويرقصون في شوارع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرازيل، هذه مهرجانات ثورة المضطَهدين، وليست المعاناة هي التي تدفع الناس حول العالم للثورة، بل الأمل في عالم أفضل، وهو أمل في حجم الجائحة التي اجتاحت العالم، وندرك حجمها عند قياسها بالأموال التي أفلحت بجمعها القمة الافتراضية لـ«التحالف العالمي للقاح وتحصين المناعة»، وقد حققت القمة، التي استضافتها لندن الخميس الماضي، أكثر من هدفها المباشر في جمع سبعة مليارات دولار، صحيح أن المبلغ لن يذهب، حسب التصور السائد، لتطوير مصل مكافحة فيروس كورونا، بل سيُخصّص قسم كبير منه لدعم برامج لقاحات ضد أوبئة قديمة يُفترض أن البشرية تخلصت منها، مثل الملاريا والكساح والدفتيريا والحصبة والكوليرا.. وجميعها تبدو كأنها تعود بضراوة، وكل دولار ينفق عليها يحقق عائداً يبلغ 21 دولاراً، يقفز إلى 54 دولاراً عند حساب أثره غير المباشر في زيادة إنتاج الناس المرفهين والسعداء.
وقد أوقفت الجائحة برامج التلقيح ضد هذه الأوبئة في 68 بلداً، حسب «منظمة الأمم المتحدة للطفولة»، وترافَق ذلك مع أزمة ضعف الثقة ببرامج التلقيح، ونسبة الثقة بالأمصال، خلافاً للتوقعات، تبلغ أدناها في أوروبا (الغربية والشرقية على حد سواء)، وأعلاها في المنطقة العربية، وفق إحصاءات مؤسسة «ويلكوم»، وإذا كان اطمئنان الغرب لأوضاعه الصحية شجّعَ على قيام حركات معادية للأمصال، فقد يغير ذلك تحوُّله إلى مركز للجائحة العالمية.
وتذكر آخر إحصاءات «جامعة جونز هوبكنز»، أن عدد الإصابات العالمية تجاوز 7 ملايين، فيما يقترب عدد الوفيات حثيثاً من نصف مليون، وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى، حيث تجاوز عدد الوفيات 100 ألف، وبريطانيا المرتبة الثانية (40 ألف وفاة)، وتتبعها على التوالي البرازيل (36 ألف وفاة)، وإيطاليا (33 ألف وفاة)، وفرنسا (30 ألف وفاة)، وهذه الأرقام تحدثنا عن واقع أوضاع الصحة العالمية في القرن الـ21، والتي تفرض إعادة النظر في السياسات الدولية، وكلام «جونسن» في القمة الافتراضية عن الحاجة إلى تحالف صحي على غرار حلف «الناتو»، يعبّر عن آثار جائحة فكرية وروحية تمنع عن رؤية هذا الحلف «الميت عقلياً» حسب الرئيس الفرنسي ماكرون، وكما في أفلام الرعب، فقد أثار «الناتو» الميت حروباً مدمرة في المنطقة العربية، ومزّق وحدة أوروبا نفسها، وحتى وحدة أعضاء الحلف أنفسهم.
وهذه الحماقة سببٌ كافٍ للبهجة في أيام الوباء، وكان المتوقع أن يتعامل معها الرئيس الروسي بوتين بمرح، وليس بالجدية التي جعلته يرفض دعوة رئيس وزراء بريطانيا لحضور القمة الافتراضية، والمرح اختصاص الرئيس الأميركي الذي انسحب أصلاً من منظمة الصحة العالمية، وأوقف دفع 400 مليون دولار المخصصة لها، ومع ذلك خاطب القمة في رسالة صوتية مرتجلة قال فيها: «الجائحة لا تعترف بالحدود، ولا تميز، ويدل هذا على بذاءتها، لكننا سنواجهها سويةً بشكل قوي وثقيل»! أما الصين فأكد رئيس وزرائها «لي كيغانغ»، في خطابه المسجل إلى القمة الافتراضية، على «استمرار الصين في دعم الدور الجوهري الذي تلعبه منظمة الصحة العالمية، ومواصلة أبحاث تطوير اللقاح، وجعله في متناول الجميع، خصوصاً سكان البلدان النامية».
وقد بلغ المرح العالمي حدّ أن بيل غيتس، الذي تبرّع بأكبر مبلغ لدعم جهود تطوير اللقاح (نحو ملياري دولار)، تَعرّض لحملة عالمية تتهمه بأنه «مشعوذ مؤامرات الوباء»، كما ذكرت «بي بي سي»، وهكذا اعتدنا على الاعتقاد بأن الثورات سبب التغيير، والحقيقة أن التغييرات هي سبب الثورات، وتثير هذه التغييرات البهجة التي ينفع في تعزيزها تناول الفيتامينات المتوفرة في الخضراوات والفواكه، إضافة إلى المصنّعة، خصوصاً فيتاميني «دي» و«سي» النافعين في كل الأحوال.