في كل الفوضى التي خلفها فيروس «كورونا» على مدار الأشهر الماضية، حيث ساد الفشل الذريع أمام فيروس غير مرئي؛ فيروس هشم كل شيء يمكن أن نؤمن به عن حقيقة قوة الإنسان وجبروته وتمكنه من السيادة على الأرض والفضاء.
فوضى تجلت في الموت الذي نشط بشكل مفزع في كل بقاع الأرض، حيث فقد الكثير من الناس أقاربهم وأحبتهم في لحظات وفي أيام قصيرة، جرت بين القوة والقدرة والصحة، إلى الانهيار السريع والموت.
أمام هذا الوباء الذي شل كل تفاصيل الحياة العامة وفرق جسدياً بين الأهل والأصدقاء والأحبة، انهارت الأسواق وكسدت التجارة وسكت هدير الطائرات في الأجواء.
أمام كل ذلك، علينا نحن سكان الأرض إعادة صياغة كل شيء في حياتنا؛ فهذا الفيروس يصر على أن يعلمنا الدرس الذي علينا استيعابه، وهو أنه برغم القارات واللغات والأشكال والألوان، يبقى ما يجمعنا أكبر من ما يفرقنا؛ فما أصاب سكان الأرض، ومحاولتهم هذه الأيام للعودة إلى الحياة، إكراماً لرأس المال وإنقاذاً للبلدان من الانهيارات الاقتصادية، يجب أن يدفعنا إلى التحديق عميقاً في ما كنا عليه وما أصبحنا فيه، وكيف يجب أن نمضي في مرحلة ما بعد الوباء؟
ومن أكثر الأشياء التي علينا القيام بها، والآن تحديداً، هو إعادة تشكيل الذات، ذات جديدة مغايرة عن كل ما سبقها من ذوات، وذلك بإعادة أولويات التفكير والقناعات، فيما نعتقد أنه صواب، فأمام العجز الذي ما زال يرتجي البحث العلمي لإنقاذه أكثر من الأوهام التي تكلست في الأدمغة، بات الكل بحاجة إلى الكل، كي يتنفس الصعداء في هذه الجائحة؛ بات التفكير كي نستعيد إنسانيتنا ضرورة، وكيف نستعيد السلام والمحبة بين البشر، كيف نسمو على الكراهية والقناعات المفروضة من أزمان غير زماننا وأجيال غير أجيالنا، ونؤمن بأننا- كبشر- عابرون على هذه الأرض، عابرون ينشدون تكريس السلام والإنسانية والمحبة؛ أن تكبر وتتوالى أجيالاً، بعيدة عن الدسائس والمؤامرات والعنصريات والحروب والقتل؛ أن لا يجوع أو يموت من الجوع أي من السبعة مليارات وما يزيد من سكان الأرض؛ فالأرض تزخر بثروات تكفي الجميع إذا ساد العدل، وتخلى البشر عن الجشع في امتلاك كل شيء وطلب المزيد من كل شيء. فيما كل شيء كافٍ وكل شيء حسن.