من الأشياء التي كنت أكرهها في المدرسة حينما يطلب منك المعلم الوقوف أمام الطلاب ويسألك عن الدروس المستفادة من معركة حطين مثلاً، ورغم فهمك ومراجعتك إلا أنك ساعتها لن تجد درساً واحداً مستفاداً منها، طرأت عليّ مسألة الدروس المستفادة، حين أسمع كل شخص يرى في هذا الحظر والبيات المنزلي منذ أشهر بسبب الجائحة دروساً جمّة مستفادة، حتى إنني أتمنى حين أسمع الواحد منهم أن أطلب منه الوقوف أمام اللوح، وبمواجهة زملائه الطلبة، ويسمّعنا تلك الدروس المستنبطة والمستفادة التي يتحدث عنها، ولا نجدها:
- يقول لك الحظر المنزلي زاد الترابط الأسري، وأقول مجبرين، بدليل لو فقط يفتحون لنا نافذة صغيرة للخروج لبكرنا منذ الفجر خارجين، عيالنا ملّوا منا، وربة البيت المصون تتعامل معك مثل الجعل، وليس البعل، لأن وجودك ضيّق عليهم مساحة البيت، وهم في هذه الفاقة والمحنة ليسوا بحاجة ملحّة لك، ولا لخدماتك المقيدة، وبصراحة يرونك مثل الحجر الكبير، على الرغم أنهم يجلسون بالساعات مقابلين شاشاتهم، ومتوحدين مع أجهزتهم دون الحديث معك أو حتى يتذكرون أنك موجود في عالمهم الافتراضي.
- في الحظر المنزلي يقول لك أحدهم: إنه بدأ يقرأ بنهم، يعني إذا ما قرأت، إلى أين المسير؟ الريفيرا ستشغلك عن المطالعة مثلاً! وآخر يقول لك: بصراحة الحظر علمنا كيف ننظم وقتنا، طبعاً ما دام الوقت مشاع، واليوم فيه أكثر من 24 ساعة، والآخر يقول لك: الحظر علمنا التدبير المنزلي، والاكتفاء بشراء الضروريات، والبعد عن الاستهلاكيات، وأقول له: بس يفك الحظر، ويسمح للنساء بالتحرك، وتبرق أعينهن في الأشياء، تعال وحدثني عن التدبير المنزلي، أما ذاك الذي يقول: إن الحظر علمه الأكل المنزلي الصحي، فالعهد بيننا فتح الأبواب، وسيبقى الأكل المنزلي في قدوره أو سترجع حليمة لعادتها القديمة: «اسمعي سورانا.. سوي أكل حق أرباب، أي شيء برياني أو مجبوس.. شوفي أنتِ»!
- الشيء الوحيد في هذا الحظر المنزلي الأكيد، أننا بدأنا نفكر في أشياء كثيرة، وننتبه لأشياء كانت شبه غائبة عنا، مثل العمر، هذه الأيام كل شيء يذكّرك بعمرك الحقيقي، المراكز التجارية، الانقطاع عن الحلاق والمزين، الشعور الرهيب بالتقاعد، ما أحد يتذكرك إلا سُنّاك أو أترابك، وهؤلاء لا يتصلون إلا إذا كانوا ناسين أمراً أو يريدون أن يتأكدوا من أمر، عدم قدرتك على التشبب، ومزاغاة القلب الأخضر، الحرص على تناول أدويتك بانتظام، وفي وقتها المحدد، أصبحت تهاذي منذ أن تستيقظ، وتعنّ عليك أشياء، أقلها تتشهى صحن «كيمة مع خبز براتا» ساخن على الريق، «سحّناه وحمّاض، وعيش شيلاني عليه دهن الدار» على الغداء، «قرص مدقوق» العصر.