إن الاحتجاجات التي عمت أرجاء أميركا بسبب مقتل «جورج فلويد»، وما يمكن استخلاصه من ذلك، يزيدنا إيماناً بأن ما نقوم به في دولة الإمارات هو الأسلوب السليم، أي اعتماد «عام التسامح» الذي انتعشت به في النفوس قيم التسامح، وترسخت في المجتمع، على نحو يمكن طرحه كمادة ثقافية قابلة للتبادل مع الدول الصديقة، وأميركا من الدول التي يمكن أن تستفيد من «منهج التسامح» حتى يترسخ لديها ويتغذى بقوة «السلم الأهلي»، ليوفر أمناً وأماناً في إطار المصالحة مع الذات ومع الآخر، خاصة أن مادة التسامح أصبحت عالمية، بعد انطلاق «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي بين الأزهر الشريف والفاتيكان، وقد تم إيداعها كوثيقة لدى الأمم المتحدة، وفي الوقت ذاته فإننا في الإمارات نستفيد كثيراً، باكتساب مزيد من العلوم والمعارف الغربية.
لقد خالطت بدايةَ التاريخ الأميركي، خطيئةُ العبودية والظلمُ العرقيُ، وهي خطيئة لم تفارق سلوك بعض البيض الأميركيين الذين يتوهمون نقاوة عرقهم! وفي ذلك يذكر جيمس زغبي: أنه «على امتداد 30 عاماً، اُعدِم أكثر من أربعة آلاف أميركي أسود، بغير محاكمة..»، ولا شك أنه من ركائز الأمم ومقاومتها للاهتزازات الاجتماعية مقوّمها الأخلاقي، الذي إن فقدته تبدأ بالتآكل داخلياً جراء الأمراض المزمنة المعدية، وعلى رأسها العنصرية التي زادها فيروس كورونا جموحاً.
لقد امتدت الاحتجاجات إلى معظم الولايات الأميركية، ولا تزال متواصلةً، مع انخفاض العنف المتبادل بين المتظاهرين والشرطة، بينما تراجع التخريب وتدمير الممتلكات. وبالطبع لم يكن «فلويد»، الذي قتل يوم 25 مايو الماضي على يد شرطي أبيض في مدينة مينابوليس، أول أسود أعزل يلقى ذلك المصير على الملأ وفي شارع يعج بالمارة، كان الشرطي «ديريك شوفين» يخنقه تحت ركبته وهو يستغيث: «إني أختنق، لا أستطيع التنفس»، ولم يكن الشرطي يتصور أن تبلغ الأمور مداها، لتعم الفوضى شوارع مينابوليس، ويتصاعد العنف وتصل الخسائر مليارات الدولارات، وتمتد الفوضى كجمل هادر لا يدري أين يضع خفه.
العنصرية في أميركا لم تجد إلى الآن علاجاً يردم الهوة القائمة في المجتمع، والتي تشكل بؤرة نارية لا تخمد جذوتها حتى تشتعل مع أول حادث عنصري، وهذا ما حصل مع جماهير الشارع، بسبب مقتل «فلويد»، وما تزال شظايا الحدث تتناثر في أرجاء الولايات المتحدة، بل وخارجها، حيث وصلت الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا لارتباطها التاريخي والثقافي بأميركا، لكن المملكة المتحدة استطاعت تقنين العنصرية بحكمتها الملكية، وبخبرتها الاستعمارية الطويلة.
وكانت الولايات المتحدة قد شهدت أحداث شغب واضطراب مشابهة عام 1968، بعد مقتل مارتن لوثركينج، وإلى الآن، ونحن في القرن الـ21، ما زالت العنصرية تطل برأسها مع كثير من الحوادث في أميركا، مما يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل الإدارة الأميركية مقبلة على إدخال قوانين أو تعديلات جديدة تحد من غلواء العنصرية والإقصاء؟ إننا في عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي، حيث أصبح العالم قرية واحدة، وما عاد يمكن السماح للعنصرية بأن تباعد بين مواطني البلد الواحد!
إنها الولايات المتحدة، أكبر بلد غربي اعتاد بيع الديمقراطية في مزاداته ووفق وصفاته للدول الأخرى، كي تندرج ضمن دبلوماسيته، وتلك إحدى أوراق الضغط الخارجي الأثيرة لديه.
وفي الجانب الآخر، نرى أن الإسلام قدّم نموذجاً راقياً لإسقاط العنصرية، وذلك في أيامه الأولى عند فتح مكة، حيث دعا الرسول صلى الله عليه وسلم، وبحضور جل الصحابة، بلال الحبشي ليدخل الكعبة ويصلي معه، وبعدها أمره ليصعد ويرفع الأذان، واضعاً رجليه على كتف عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق، فصعد وأدى الأذان!