«جورج فلويد» أيقونة الثورة على العنصرية المؤسسية في العالم، والذي قتل في مدينة مينيابولس بولاية مينيسوتا الأميركية، بسبب جلوس ضابط شرطة من أصول أوروبية أبيض البشرة على رقبته لمدة تسع دقائق تقريباً أثناء اعتقاله، ولم يتركه حتى توقف عن التنفس في مشهد غير مستغرب تاريخياً في الولايات المتحدة الأميركية، وستقوم الدنيا ولن تقعد في البداية، وضجة إعلامية وإجراء تغييرات في بعض الممارسات الشرطية، ومن ثم لا يدان القاتل ويحكم عليه بفترة سجن معينة ليخرج بعدها ويعيش حياته الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن، والاحتجاجات مستمرة في جميع أنحاء أميركا وفي دول أخرى في العالم، والسكوت عن دوامة جائحة كوفيد-19 وكأن هذا القتل جاء في توقيت متعمّد لقتل بقية الأقليات بمرض كورونا المستجد، أم هناك سر لا نفهمه عن هذا الفيروس يجعل القضايا العنصرية ضمن سلسلة أحداث متتالية لتغيير العالم بلا رجعة؟
وفي حقيقة الأمر، فالعنصرية موجودة في شتى أرجاء العالم، حيث تتفاوت درجة عدوى فيروس العنصرية وهو الجائحة التي اجتازت كل بيت في العالم، ولا يوجد علاج ولا لقاح لوقف انتشارها ليومنا هذا، والمضحك المبكي هو تباكي وغضب بعض الشعوب وحديثها بمرارة عن العنصرية في المجتمع الأميركي، وهي التي ترزح تحت وطأة مدافع التنمر العنصري في مجتمعها، والعنصرية الأميركية تعتبر قطرة في بحر العنصرية التي تمارسها الشعوب الأخرى دون قتل مادي، ولكنها تمارس القتل المعنوي والشعوري بصورة يومية، وتمارس التمييز دون هوادة.
فالعنصرية ترتبط بتصنيف البشر إلى فئات وشعور الفرد بالانتماء لمن يشبهه، ووصف الآخر بأنه مختلف ومن عِرق لا يمت له بصلة، وحماقة كذبة العرق السامي الذي لم يتلوث بمخالطة الآخرين، وتلك الأوهام المرضية تسيطر حتى على العالِم الأكاديمي، والعلم والمعرفة المنتقاة التي تسخّر باطلاً لنشر مفاهيم غسل الأدمغة الجماعي، وبالتالي ففي معظم المجتمعات هناك فئات من السكان لا يزالون يعتنقون وجهات نظر التفوق العرقي، في ظل غياب الحاجة لصحوة تحارب عنصرية الفوارق بين الشعوب على أسس اللون والشكل، وكأن المجتمعات الحديثة لم يثبت العلم بأنها ليست من عرق واحد! وإن كان الشخص اليوم أوروبياً أشقر الشعر وأزرق العينين، فقد كان أسلافه من أصحاب البشرة الداكنة الذين استوطنوا القارة الأفريقية والعكس غير صحيح.
فليس المهم وضع القوانين والأحكام التي تدين العنصرية بقدر تغيير تناول معطيات جذور المشكلة، وزرع مفاهيم على أسس عقلية منطقية منذ سنوات العمر الأولى للطفل، ووقف منهجيات التكيّف، وعدم تهميش قضايا الكرامة الإنسانية، وأن ندرك أن العنصرية ليست فقط تمييزاً أو أحكاماً مسبقةً أو سلوكيات عدائية موجهة ضد شخص آخر على أساس مظهره الخارجي وخلفيته الثقافية، فهناك عنصرية خفية أو عرضية من مجرد نظرة يتم توجيهها للآخر، أو حتى طريقة إلقاء التحية عليه، أو اختيار عمداً عدم الجلوس بجانب شخص لشعور بعدم الارتياح حول لون بشرته أو جنسيته، والوقوف في وجه العنصرية ليس بالأمر السهل، لكنه الشيء الصحيح الذي يجب القيام به لهزيمة القوالب النمطية، والوقوف في وجه العنصرية المؤسسية التي هي جزء من القوانين والنظم التي تتبناها الدول.