قصة الإمارات  في مواجهة كوفيد-19 تستحق أن تُروى. فما أصاب العالم جراء انتشار الفيروس نالنا منه نصيب، لكن القيادة تعاملت مع الوضع باقتدار وكفاءة، فيما هدّأت الأنفس الحائرة كلمة (لا تشلون هم) التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي أشاعت الراحة والطمأنينة في قلوب كل من يعيش على أرض الإمارات، فكانوا جميعاً على قدم المساواة في التعامل، مواطنين ومقيمين.
خلال تلك المحنة، وضعت الأجهزة الحكومية خطط الجاهزية لحالات الطوارئ والكوارث والذكاء الاصطناعي والخدمات الإلكترونية على محك التجربة الفعلية، والتي أثبتت فاعليتها وأسهمت في استمرارية الأعمال، ومن بينها الخدمات التعليمية، حيث استمرت مدارسنا بتعليم الطلبة عن بُعد، وهو الأمر الذي لم يكن قد وُضع قيد الاختبار والتطبيق إلا بعد فرض التباعد الجسدي بينهم.
البعض كان يرى أن ما تنفقه الحكومة على استمرارية توفير الخدمات مسألة مبالغ بها، لكن الحكومة في المقابل كانت تُراهن على نجاح التجربة في إدارة البلاد، سواء عن طريق الفرق المتخصصة التي تجهيزها لمثل هذه الظروف، أو عن طريق الحكومة الذكية التي ثبُتت ضرورتها.
للتعامل مع الوضع منذ البداية، شكلت الإمارات فريق عمل حكومي كبيراً يشمل كافة التخصصات، ولعله هو الأكبر منذ تأسيس الدولة، فضم الوزراء والأمناء العامين للمجالس التنفيذية ومسؤولي أكثر من 100 جهة حكومية اتحادية ومحلية وخبراء عالميين وباحثين ومخططين استراتيجيين. وبالتعاون بينهم تم وضع جميع السيناريوهات المحتملة وآليات التعامل معها. وعليه تم اتخاذ كافة التدابير وتنفيذ كامل الإجراءات التي من شأنها أن تحافظ على سلامة الناس بالمقام الأول.
ومثلما اهتمت القيادة بإدارة الأزمة في أوجها، كذلك اهتمت بما بعد كوفيد-19 الذي أثّر من دون شك على دورة الاقتصاد والمجتمع، فوضعت استراتيجيتها وخطة طريق للمستقبل بهدف إيصال اقتصادنا، ومؤسساتنا بكافة قطاعاتها، ومجتمعنا إلى بر الأمان، وبما يؤكد عدم وجود مكان لمعنى المستحيل، ويعزز الأسس التي بنيت عليها الدولة قبل خمسين عاماً. ولا شك أن تداول الرأي بين القادة والمسؤولين هو الأساس في ضمان تخطي الأزمة، وبالتالي المضي قدماً نحو رحلة الخمسين عاماً المقبلة.
صحيح أن هذا الوباء أحدث صدمة عالمية هزت اقتصادات الدول كاملة وعلى نحو فاق كل توقعات الخبراء، وحتى الأكثر تشاؤماً منهم، إلا أن جوهر القضية يكمن في كيفية التعاطي مع الصدمة، وآلية إدارتها بالطرق الأسلم، والتي تُبقي الاقتصاد معافاً إلى حدٍّ يمكّنه من استمرار دورته، حتى في ظل أسوأ الظروف. هذا الوباء – بلا شك – خلّف آثاراً سلبيةً على مختلف المشاريع في جميع الدول، سواء الحكومية منها أو الخاصة، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة الحدة حسب انتشار الوباء. لكن في المقابل فإن السعي حثيث وجاد من أجل تخفيف حدة تلك الآثار، كما يحدث في الإمارات.
ومن باب التفاؤل نشير هنا إلى تقرير مرصد المستقبل دبي - التابع لمؤسسة دبي للمستقبل – والذي جاء فيه أن: (الأزمة قد تشكل ضغطاً كبيراً على أنظمتنا، غير أنها تعزز مناعتنا وقدرتنا على الصمود، وتدفعنا إلى تطوير حلول جديدة ومبتكرة وتعلمنا دروساً جديدة وتغير طريقة عملنا وحياتنا، وتجعلنا نبني عالماً أفضل).
ما تعمل عليه الإمارات على مستوى مواجهة الأزمات، ومواصلة مسيرة التطوير والتنمية، ومواكبة المتغيرات العالمية والاستفادة منها بما يرسخ مكانتها وريادتها العالمية، وصناعة المستقبل، مسائل تستحق منا التوقف عندها والتعمّق فيها، ليس فقط لأنها فريدة مقارنة بما يحدث في دول المنطقة، بل لأن دولتنا ما تزال فتية مقارنة بالدول الأخرى، ومع ذلك لديها من التجربة العملية والحية في بناء الحاضر والمستقبل ما يستحق التقدير والاحترام، فرهانها وديدنها كان دائماً وما يزال على آلية تعاطيها مع حاضرها، وكيفية تخطيطها للمستقبل.