من الخطأ تصديق معظم نظريات المؤامرة، غير أنه من الخطأ أيضا الاعتقاد أن لا علاقة لها مع الواقع. فبعضها مجرد تخيلات جنونية أو معلومات مغلوطة على نحو متعمد؛ ولكن بعضها الآخر يعمل على تضخيم اتجاهات مهمة ويسيء قراءتها بدلا من أن ينفيها أو يقدّم تفسيرات يصعب تصديقها لألغاز تظل مع ذلك بدون تفسير.
هذا الأمر يصدق على عهد ترامب مثلما يصدق على أي عهد آخر. فالكائنات الفضائية لا تعيش بيننا، ولكننا ما زلنا نتلقى أدلة جديدة على أن ظاهرة «الأجسام الطائرة الغامضة» حقيقية. كما أن نظرية المؤامرة المنتشرة بين اليمين المتطرف في أميركا بشأن مؤامرة سرية مفترضة من قبل «دولة عميقة» مفترضة ضد الرئيس دونالد ترامب وأنصاره، هي محض خيال.
غير أنه في بعض الأحيان، تدوم نظريات المؤامرة فترة أطول من الواقع ومن الظروف التي ظهرت فيها، فتزداد شعبية بينما يبدد العالمُ الحقيقي مخاوفها فتصبح غير ذات صلة بالواقع. وربما شيء من هذا القبيل هو ما يحدث حاليا مع نظريات المؤامرات بخصوص ما يسمى «النظام العالمي الجديد»، ذلك أنه من جهة، يشجّع فيروس كورونا على ازدياد «البارانويا» أو الارتياب اللاعقلاني بخصوص «النظام العالمي الجديد»، وهو خوف متجدد من متآمرين سريين من النخبة يتطلعون إلى حكم العالم. ولكن في الوقت نفسه، نلاحظ أن النظام العالمي الجديد الفعلي، أو حلم الاندماج العالمي والحكامة العابرة للبلدان، أخذ يتفكك أمام أعيننا.
عبارة «النظام العالمي الجديد» اقتبسها القائلون بنظرية المؤامرة من الخطاب المتفائل لجورج بوش الأب؛ ومنذ ذلك الحين، وُجد الارتياب اللاعقلاني والحقائق دائما على نحو يقوم على نفعية متبادلة. فالخيال هو سيطرة شمولية وشيكة، وطائرات هيلوكوبتر سوداء هابطة، ومؤامرات سرية. ولكنه خيال تشجِّعه عددٌ من الوقائع من قبيل: نمو المؤسسات العابرة للبلدان، والقوة الواضحة لطبقة عليا عالمية، والتوسع غير الديمقراطي في كثير من الأحيان للاتحاد الأوروبي، وصعود المراقبة الرقمية، والعلاقات المتشعبة التي تربط الصين والولايات المتحدة ضمن ما بات يصطلح عليه بـ«الصي-أميركا» (والمقصود بذلك العلاقة النفعية المتبادلة بين البلدين).
اليوم مُنح هذا الخيال حياةً جديدة من قبل الرد على فيروس كورونا، الذي يتم تصويره حاليا على أنه ذريعة من أجل نوع من الاستيلاء والسيطرة من قبل أنصار فكرة عالم واحد – ويشار فيه بأصبع الاتهام إلى كل من بيل غيتس وأنثوني فاوتشي على أنهما العقلان المدبران وإلى نظام «الاختبار والتتبع» على أنه مؤامرة تهدف إلى مراقبة دائمة للناس.
هذه المخاوف تشمل الطيف السياسي؛ ولكن لأن الطبقة العليا العالمية تميل عموما إلى أن تكون علمانية ومعادية للدين التقليدي، فإن المخاوف من حكومة عالم واحد لطالما كانت قوية بين المسيحيين المحافظين بشكل خاص. وفي اللحظة الراهنة، ومع إغلاقات الكنائس التي لعبت دور القوة المسرّعة، وصلت هذه المخاوف إلى الهرمية الكاثوليكية، حيث وقّع كاردينالان اثنان على الأقل بيانا كتبه كبير الأساقفة كارلو ماريا فيغانو ويصف إغلاقات فيروس كورونا باعتبارها«مقدمة (ممكنة) لتحقيق حكومة عالمية لا تخضع لأي سيطرة».
غير أنه خلافا للتسعينيات أو الألفينات، عندما كان الارتياب اللاعقلاني بشأن النظام العالمي الجديد يضخّم التطورات والاتجاهات الجديدة، فإن الواقع في اللحظة الحالية هو عكس ما يُخشى منه. إذ بدلا من أن يؤدي إلى نوع من تعزيز نظام العولمة، أخذ حكم فيروس كورونا يفكّك النظام الدولي في كل مكان.
فالفيروس عرّى كيانات العولمة وكشف لنا أنها إما ضعيفة ومهدَّدة سياسيا، كما في حالة منظمة الصحة العالمية، أو غير مناسبة، كما في حالة الأمم المتحدة. وفضلا عن ذلك، أعاد الفيروس الحدود أو قوّاها، وعرقل الهجرة، ونقل السلطة من «الدولي» إلى «الوطني» ومن «الوطني» إلى «المحلي». كما أدى إلى تجدد التنافس بين القوى الكبرى، مع انحلال «الصي-أميركا»، وظهور نذر حرب باردة عابرة للمحيط الهادي في الأفق.
صحيح أن بعض أشكال «الاختبار والتتبع» قد تزيد من قوة المراقبة المعتمدة على التكنولوجيا؛ غير أنه في كل الجوانب الأخرى يمكن القول إن الاتجاهات والمؤسسات التي تثير ارتيابا لاعقلانيا من «النظام العالمي الجديد» ستخرج من هذه الأزمة مضروبة أو فاقدة للمصداقية أو ضعيفة بشكل دائم.
وخلاصة القول إن كلا من الليبرالية والعولمة قد تصبحان في مرحلة ما بعد الجائحة أشبه بـ«إديولوجيتي زومبي»، أو شبحين من الماضي الأكثر طوباوية وطموحا، منهما بقوتين صاعدتين قادرتين على إلهام الأمل أو الخوف.
وقد يجد الأشخاص الذين يخشونهما حاليا، لدرجة الارتياب اللاعقلاني وتصديق نظريات المؤامرة أحيانا، أنهم كانوا يخطئون فيخلطون بين نوبات أو انفجارات مؤقتة والقوة الحقيقية، وبين النهاية المرة لعهد العولمة وفجر نظام عالمي جديد.
كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز »
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/05/22/opinion/the-end-of-the-new-world-order.html