أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السبت الماضي، عن مبادرة سياسية ليبية ليبية لحل الأزمة في ليبيا باسم «إعلان القاهرة»، وذلك بحضور المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي. وقال الرئيس السيسي، إن جهود البرلمان والجيش الليبيين مكنت من التوصل إلى مبادرة شاملة لإنهاء الصراع في ليبيا. وأشار السيسي إلى أن الحوار السياسي هو الحل الوحيد لأزمة ليبيا، وأن أمن مصر من أمن واستقرار ليبيا. وفي تصريحات متتالية أعربت دول عربية وغربية عدة عن تأييدها للجهود المصرية الرامية إلى وضع حل للأزمة في ليبيا. كما أعربت كل من جامعة الدول العربية والبرلمان العربي عن دعمهما للمبادرة. ورغم الزخم الإقليمي والدولي المؤيد للمبادرة، سارعت «حكومة الوفاق» الليبية إلى رفضها وأعلن خالد المشري رئيس «المجلس الأعلى للدولة في ليبيا» رفض أي مبادرة لا تقوم على الاتفاق السياسي الليبي!
وتضمنت المبادة المصرية التأكيد على وحدة وسيادة الدولة الليبية، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية ذات الصلة، مع التزام كافة الأطراف بوقف النار اعتباراً من الساعة السادسة صباح اليوم الاثنين 8 يونيو. وترتكز المبادرة بالأساس على مخرجات قمة برلين، وتطرح حلاً سياسياً شاملاً يتضمن خطوات تنفيذية واضحة في المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، واحترام حقوق الإنسان، كما تلزم المنظمات الدولية بإخراج المرتزقة الأجانب والإرهابيين من كافة الأراضي الليبية، وتسليم الميليشيات أسلحتها، حتى يتمكن الجيش الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من تحقيق الأمن والاستقرار في ربوع البلاد.
وكان عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي قد أعلن في 23 من أبريل الماضي عن مبادرة لإنهاء الأزمة لم تلق الدعم الكافي.
إن تعقيد الأزمة الليبية وتصعيد الصراع العسكري تؤججه التدخلات الخارجية (التركية) التي تقلل من فرص التوافقات الليبية الليبية، لارتباط تطورات الأوضاع في ليبيا بأجندات التدخل الخارجي. لقد ساهم الدعم التركي لحكومة الوفاق في تغيير موازين القوى على الأرض، إذ أكدت تركيا منذ فبراير الماضي إرسال مقاتلين لدعم ميليشيات حكومة الوفاق بالأسلحة والمرتزقة السوريين، من بينهم قيادات في تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة». وحاولت الأطراف الليبية من خلال التصعيد العسكري وإرجاء القبول بمبادرات سياسية، تحقيق مكاسب على الأرض لإجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات. وكان رفض حكومة الوفاق بتحريض واضح من تركيا بغية تأجيج الصراع بما يخدم أجندة أنقرة ومصالحها الإقليمية في ليبيا.
وتختبر المبادرة المصرية جدية المجتمع الدولي وقدراته على فرض تسوية سياسية عادلة تراعي التوازنات الليبية وتؤسس لتسوية ليبية ليبية في ظل تصاعد وتيرة التدخل العسكري التركي. وقد أبرز الدعم الإقليمي والدولي لإعلان القاهرة زخماً دبلوماسياً دافعاً نحو تبني المبادرة من قبل الأمم المتحدة لتنفيذ بنودها حفاظاً على أمن واستقرار ليبيا، كما أبرز التأييد مدى الحاجة إلى محاصرة التنظيمات الإرهابية وجماعات المرتزقة التي وجدت لها في الساحة الليبية فرصة للتمدد وللتحول إلى بؤرة للإرهاب تتخطى مخاطرها الأراضي الليبية. وتظهِر المبادرة المصرية حرص السياسة المصرية على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا وتحجيم التدخلات الخارجية حفاظاً على حق الشعب الليبي في الحياة الكريمة والاستقرار الأمني المنشود.