راشد الغنوشي القائد الأبرز لجماعة «الإخوان» في تونس تحت مسمى حركة «النهضة»، وهو اليوم رئيس البرلمان التونسي، ويتصرف كأنه الحاكم المطلق لتونس وصاحب الأمر والنهي فيها دون حسيب ولا رقيب.
الغنوشي -مثل غيره من الجماعة- ظلّ يحلم بالسلطة لعقودٍ طويلةٍ وتعرض شخصياً وحركته للكثير من المواجهات مع السلطة القائمة في تونس زمن الراحل الكبير أبو رقيبة ومن بعده مع حكم زين العابدين بن علي ثم بعد ما كان يعرف ب«الربيع العربي» بسط أجنحته على الفضاء العام في تونس، وتحركت تحت تلك الأجنحة تنظيمات الإرهاب في حركته، أو في التنظيمات المتفرعة عنها وصولاً لرئاسته للبرلمان.
تعوّد الغنوشي طويلاً أن يكون صاحب الرأي المستبد في حركته ولدى أتباعه، ولم يعتد ككل جماعات الإسلام السياسي على التوازنات وألاعيب السياسة، ومن هنا جاءت تصرفاته التي أثارت عليه غضباً حاداً داخل أروقة البرلمان وفي الشارع التونسي فهو تعوّد أن يتصرف دون رجوعٍ لأحدٍ، فهو لا يفهم كثيراً في مفاهيم الدولة والسلطة التشريعية.
زار الغنوشي تركيا والتقى بالرئيس التركي أردوغان وقدم للأخير فروض الولاء والطاعة، وتأكد من الدعم المادي من دولة عربية صغيرة حليفة لأردوغان، فقرر دعم الاحتلال التركي للدولة الليبية العربية الجارة، وأخذ يتشدق كتلميذٍ نجيبٍ لأردوغان بأمجاد الدولة العثمانية ضارباً عرض الحائط بدولته وشعبه ورئيسه.
العاصفة التي ثارت عليه في البرلمان ورأى الناس أصداءها على العديد من القنوات الفضائية أو قرؤوها في الصحف والمواقع هي عاصفة مستحقةً وقد ضلّت تمور في الخفاء حتى بلغت تصرفات الغنوشي حداً لم يعد يستطيع الصبر عليها أحدٌ من فرقاء السياسة في تونس.
الدم الليبي المراق على التراب الليبي من جماعة «الإخوان» والتنظيمات الإرهابية المتفرعة عنها ومن قبل المحتل التركي الغازي كله يراق تحت شعارات «الإخوان» وطموحات السلطة التي تعشعش في رأس كل «إخواني»، فهو بالتالي منحازٌ إلى جماعته ومصالحها لا إلى الدولة ومصالحها، فمن تعود الولاء المطلق للجماعة لا يستوعب كيف يتصرف حين يشارك في الدولة ولا كيف يوالي الدولة.
الغنوشي يمثل نوعاً غريباً من قيادات جماعة «الإخوان»، فهو ليس «فقيهاً» ولا «مفتياً» مثل القرضاوي ولا هو «مفكر» و«منظرٌ» مثل الترابي، بل هو في منزلةٍ أخرى فهو أقرب للقيادة التنظيمية للحركة والتي استطاع المحافظة عليها لعقودٍ طويلةٍ دون منازعٍ حتى في سنواتٍ المهجر التي قضاها في أوروبا ومتنقلاً منها للعديد من البلدان، وكان على أي تيارٍ يتشكل داخل حركته أن يخرج منها دون أن يؤثر على سلطة الغنوشي وإمساكه بتلابيب الحركة كما حدث مع تيار اليسار الإسلامي وغيره.
حين تصرّ تونس بسلطتها السياسية وأحزابها وتياراتها وبشعبها على عدم الانخراط في أي تحالفاتٍ تؤثر على الشأن الليبي فإن الغنوشي لا يستطيع إلا أن ينخرط في تيار جماعة الإخوان الذي تقوده تركيا ودولة عربية صغيرة، والمتمثل في مركز الثقل «الإخواني» في مرحلة ما بعد «الربيع العربي» المزعوم.
«استقرار الدولة» وفرض هيبتها وسلطتها على كامل أراضيها من غير المفكر فيه لدى قيادات وعناصر جماعات الإسلام السياسي والغنوشي ليس استثناءً، ولئن فكر فيها مؤخراً، فإنها لا تستطيع مواجهة المفاهيم الراسخة منذ القديم مثل «الحاكمية» و«الجاهلية» وأساليب السلطة التشريعية لا يمكن أن تقف في وجه أساليب مثل«سُنة الاغتيال» وتشريع «الإرهاب».
أخيراً، فلم يزل للغنوشي أتباع ومؤيدون بدليل وجوده وحركته بقوة تحت قبة البرلمان، وهو ما يؤكد أن الوعي  لم يكتمل بعد بشأن جماعات الإسلام السياسي المصنفة إرهابيةً في عدد من الدول العربية.