عندما تشرق الشمس، أو قبلها، تنهض أنت، متأبطاً أفكار ما قبل الصحو، وتذهب إلى قبوك، هناك تتقاذف شظايا ما جاش في أوعية الشاشات الملونة، وهناك أيضاً تشعر بالحاجة إلى استراحة خفيفة، تروغ عنك الصور البشعة، ومناظر أصبحت مثل الخفافيش تحوم حولك، وعلى رأسك، تجعلك في منطقة متوحشة من حياتك.
لا شيء يذهب عنك الضجر، ولا شيء يجلي عن كاهلك الكدر سوى كتاب أحببته، أو ورقة سجلت على بياضها حصيلة يوم فائت من كلمات، ولما تجلس على كرسيك تستقبلك بفيض من المثيرات، فتمسك بالقلم، وتبدأ في رصد ما يجول في خاطرك، ولكن في هذه الأيام لا شيء يسيطر على مخيلتك أكثر من الجيش العرمرم من فيروسات كورونا، التي صارت تحكم قبضتها على إرادة العالم، حتى تساوى فيه القوي والضعيف، ولم تعد هناك قوة عظمى تتباهى بجبروتها، لأن الوباء أحكم قانونه اللاطبيعي، وخلص العالم من الفرز الفيزيائي، وقال قفوا نبك جميعاً، ولكن على الرغم من كل ذلك، فأنت عندما تتخلص من هذا الوهم، وتمسك بتلابيب الوعي، تشعر أن الوباء الذي أصاب العالم في مقتل ليس إلا لحظة راهنة، لا بد أنها ستنجلي، لأنه في قانون الطبيعة، الحياة هي الأصل، والموت هو رحلة مجازفة للذين لا يحبون الحياة.
هكذا يحلو لك أن تنفرد في مكانك القصي، لتسرد للعالم كيف تكون الحياة ملحة، وأساسية عندما نرفض المرض بوعينا وليس باللاوعي، وهكذا تقبل أنت من حلم بحب الحياة حتى أصبحت حقيقة في سيرك نحو الغايات الرائعة التي تصادفك، فلو لاحظت على وجه امرأة ابتسامة شفيفة، تشعر أن ميلادك بدأ من تلك اللحظة، ولو شاهدت طفلاً يغني للحياة، تشعر أن الحياة ليست إلا أغنية لا بد وأن تنشدها مع ذلك الطفل، لتتشاركا نخب الأحلام الزاهية، ولو قابلت رجلاً في عمر ما بعد السبعين، وكان يتكئ على تفاؤله بالعافية، تلامس أنت خد النجمة، وتضع خدك على شرشف الغيمة، وتكتب ما جال في خاطر الكهنة، والعرافين، والفلاسفة، وغيرهم من المفكرين، والمنظرين، والعشاق، والشعراء، تشعر أن الحياة مثل أيقونة لا بد لك وأن تضعها أمام عينيك، لتحميك من وهم الفناء، تشعر وأنت تنظر في عيني ذلك الكهل، بأن الحياة ليست فقاعة، وإنما هي موجة، تغسل وعيك بماء التغيير، وتعقم فكرتك ببياض الفرح.
إذن بعد كل هذا، تكتب مقالة وترسلها إلى الأحباب، لتخبرهم بأنك المتغير الذي لا يثبت، لأن في الثبات موتاً، وفي التغير تجدداً، وحياة، وصورة مثلى للكائنات الأجمل.