تستعجل الحكومة اللبنانية المفاوضات مع صندوق النقد، تمهيداً لاستعادة ثقة المجتمع الدولي، لكن يبدو أن الصندوق لا يستجيب للطلب، وتسير مفاوضاته ببطء شديد مع التلويح بشروط قاسية، والتركيز على «الشفافية المطلقة»، خصوصاً لجهة الأرقام، وتحديد الإصلاحات الضرورية، وبرمجة تنفيذها بشكل يعزز قدرة الدولة على تحقيق معدلات نمو حقيقي، يمكنها من تسديد القروض، الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً للتوصل إلى اتفاق على تفاصيله، هذا علماً بأن الصندوق لم يجر مفاوضات مع أي دولة خلال مدة تقل عن ثلاثة أشهر، وربما تستغرق أكثر من ذلك مع بلد كلبنان، الذي ترتبط المفاوضات معه بقدر كبير من الهواجس والمخاوف، حول التطورات الأمنية والسياسية المتعلقة بتحالفات ومحاور، بعيداً عن سياسة الحياد المطلوبة من المجتمع الدولي، حتى فقدت الدولة اللبنانية استقلالية قراراتها نتيجة الانخراط في صراعات إقليمية حادة.
لقد قُدرت الفجوة المالية، التي يعانيها لبنان بنحو 33 مليار دولار، وهو مبلغ كبير جداً، ودونه صعوبات متعددة ومتنوعة، حتى إنه يواجه صعوبات في الحصول على 10 مليارات دولار التي طلبها، لأن حصته في الصندوق تقدر بنحو 861 مليون دولار فقط، ومع ضرب المبلغ بخمسة أضعاف يصل إلى 4.3 مليار دولار، يمكن أن يحصل عليه في حال توافرت الشروط المطلوبة، لكن من أين سيحصل على المبلغ الباقي لسد الفجوة المالية؟
الحكومة تراهن على نجاح المفاوضات لاستعادة ثقة المجتمع الدولي، تمهيداً لحل مشاكل لبنان مع الدائنين والمانحين الدوليين، لكن استعادة هذه الثقة تصطدم هي أيضاً بصعوبات عدة، لعل أهمها استمرار«الفساد» الذي أصبح ملازماً لمطامع السياسيين في تحسين مواقعهم، وفي ظل غياب «الشفافية المطلقة» تضيع المسؤولية عن الهدر المالي، وهنا شهادة من أهل البيت جاءت على لسان وزير الداخلية محمد فهمي، الذي أكد أن «أخبار الفساد بغياب محاسبة الفاسدين، تدفع بالمواطن إلى اليأس، والاعتقاد بأن هناك من هم فوق القانون»، فالقوى السياسية أفقدت المواطنين والمجتمع الدولي كل ثقة بإنجازالإصلاحات وإقصاء الفاسدين ومحاسبتهم، وإذا كان المجتمع الدولي قد غض الطرف عن تعليق دفع سندات اليوروبوند، بغية ترتيب الوضع الداخلي تمهيداً للدفع لاحقاً، فإن الإشارات السياسية السلبية، ستزيد عزلة لبنان عن المجتمع الدولي.
وفي هذا المجال، يواجه الصندوق صورة سلبية تتحدث إليه بأكثر من لغة، بين الحكومة، ومصرف لبنان، وصفقات القوى السياسية، والمجتمع المدني.. دون مفردات مشتركة للبناء عليها في تقريب وجهات النظر، إضافة إلى ذلك، ورغم الشكوى من هدر المال في قطاع الكهرباء، الذي يتحمل مسؤولية نصف الدين العام، قرر مجلس الوزراء مؤخراً إنشاء ثلاث محطات لإسباب سياسية موزعة على مناطق طائفية، بينما يمكن الاكتفاء بمحطة واحدة، لخفض التكلفة، حتى إن «غياب الشفافية»، برز أيضاً في سياسة لبنان الخارجية وانحيازه إلى محور إقليمي بعينه، ما حمل بعض المراقبين على التساؤل: إذا كان صاحب القرار الأقوى في صندوق النقد هو الولايات المتحدة، وصاحب القرار الأقوى في الحكومة اللبنانية هو «حزب الله»، فمن البديهي وصف هذا التفاوض بأنه غير مباشر بين واشنطن وإيران من خلال حلفائها اللبنانيين، وهذا يعني أنها «سياسية بامتياز»، وتبقى أخيراً الإشارة إلى أنه لا يمكن للبنان أن يتجاهل قانون قيصر الأميركي، نظراً للعلاقات التي تربطه بسوريا، ولا بد من تفادي تداعياته السلبية المحتملة، خصوصاً أن أي رد فعل سلبي من جانب الحكومة، سينعكس سلباً على المفاوضات مع الصندوق، الذي تؤثر الولايات المتحدة في قراره لمساعدة لبنان.

*كاتب لبناني