بدأت مغامرة الهند الفضائية في أوائل الستينيات بهدف إنشاء برنامج وطني. ومنذ ذلك الحين، صعدت الهند إلى الواجهة باعتبارها لاعباً رئيساً في السوق الفضائية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. ومنذ ذلك التاريخ، ظل قطاع الفضاء الهندي محتكراً من قبل الحكومة وأضحى رائداً عالمياً في إطلاق الأقمار الاصطناعية بتكلفة بسيطة.
الآن وضمن تداعيات وباء فيروس كورونا، وفي إطار حزمة تحفيز الاقتصاد الرامية إلى إخراج الهند من الضائقة الاقتصادية التي تسبب فيها الإغلاق من أجل السيطرة على الوباء، قررت الحكومة فتح القطاع في وجه اللاعبين الخواص. ففي إطار حزمة لتنشيط الاقتصاد، أعلن وزير المالية الهندي أن القطاع الخاص سيكون له دور أكبر في برنامج الهند الفضائي الذي كان حتى هذا الوقت محتكراً من قبل الحكومة. وهكذا، ستصبح لدى الشركات الناشئة الخاصة العاملة في مجال الفضاء التي كانت تتعاون مع «منظمة بحوث الفضاء الهندية»، إمكانية الاستفادة من منشآت «المنظمة» والحصول على دعم وكالة الفضاء، مع وعد بـ «بيئة سياسات وقوانين قابلة للتنبؤ».
هذا الأمر أدى إلى تفاؤل بأنه سيصبح لدى الهند قريباً لاعبون خواص سينمون ويكتسبون قوة في مجال الفضاء، بل إن هذا يمكن أن يؤدي إلى ظهور «سبايس-إكس هندي»، و«سبايس-إكس» هو مصنّع فضائي أميركي خاص وشركة لخدمات النقل الفضائي. وتبلغ قيمة اقتصاد الفضاء الهندي 7 مليارات دولار، وهو ما يعادل نحو 2 في المئة من الاقتصاد الفضائي العالمي. ويحتاج قطاع الفضاء الهندي إلى أن ينمو بمعدل نمو سنوي يناهز 48 في المئة على مدى السنوات الخمس المقبلة من أجل بلوغ هدفه المتمثل في 50 مليار دولار.
وأنشأت الهند برنامجها الفضائي محلياً على مدى العقدين الماضيين، ما أثار فخراً وإشادة وطنيين. وقد نجحت في إطلاق أقمار اصطناعية منخفضة التكلفة لحساب عدد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، اتسع نطاق البرنامج الفضائي من إطلاق أقمار اصطناعية لكل شيء، من مراقبة المحاصيل الزراعية إلى تطبيقات التخطيط الحضري، إلى اكتشاف الفضاء، وسط تجدد الاهتمام العالمي باكتشاف الفضاء. وقد عرف طموح البلاد الفضائي إطلاق مهمتين إلى القمر. المهمة الأولى، «تشاندرايان-1»، أُطلقت في أكتوبر 2008، وكانت لها مركبة مدارية ومسبار، تم إلقاؤه على سطح القمر وحسب. أما المهمة الثانية، وتسمى «تشاندرايان-2»، فإنها لم تكن ناجحة كلياً. فقد تمت عملية الإطلاق كما كان مخططاً لها، واستطاع العلماء توجيهها إلى مدارها حول القمر، ولكنهم لم ينجحوا في القيام بعملية هبوط متحكم فيها للمسبار على سطح القمر بسبب الفوهات والصخور.
وكانت الحكومة قد سمحت خلال السنوات القليلة الماضية بمشاركة خاصة محدودة في برنامج الفضاء بسبب تزايد احتياجات الهند بخصوص الاتصالات والملاحة، وكذلك بسبب النقص بخصوص القوة البشرية والقيود المالية. وهكذا، وقّعت «منظمة بحوث الفضاء» عقوداً مع بعض الشركات الخاصة من أجل إنشاء أقمار اصطناعية وأنظمة دفع ضمن سعيها إلى توسيع قدراتها في ما يتعلق بعمليات الإطلاق. وكانت ثمة العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي انخرطت في توفير قطع ومكونات الأقمار الاصطناعية، وتصنيع عربة الإطلاق.
وفي السنوات الأخيرة، تبنت «المنظمة» سياسات شراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تشجيع الشركات على النهوض بمزيد من أنشطة الإنتاج. كما شكّلت تحالف شركات خاصاً لتجميع مركبة الإطلاق «بي إس إل في»، وهي عبارة عن صاروخ لنقل الأقمار الاصطناعية الصغيرة إلى الفضاء. وشمل هذا التحالف شركات مرموقة مثل «لارسن آند توبرو»، و«هندوستان ايرونوتيكس» التي تديرها الحكومة، وذراعها التجارية «آنتريكس كورب». وسيسعى التحالف وراء تجميع الأقمار الاصطناعية ودمجها واختبارها. وتتوخى الإصلاحات الجديدة زيادة دور المصنّعين الخواص، إذ هناك أمل في أن يؤدي فتح قطاع الفضاء أكثر أمام المشاركة الخاصة إلى خفض تكلفة العمليات. ولكن الكثير يتوقف على حجم الدور الذي ستسنده «منظمة بحوث الفضاء الهندية» للاعبين الخواص، وعلى ما إن كان سيُسمح للاعبين المحليين بالاستثمار في إنشاء حقوق ملكيتهم الفكرية الخاصة بهم، والتي سترقى للمعايير العالمية.
بالنسبة للشركات الخاصة، السياسة الجديدة تعني قطعة أكبر من كعكة الفضاء. وفي هذا الإطار، بدأت بعض الشركات التخطيط لإنشاء منشآت تصميم واختبار. غير أن هناك تحديات تواجه الهند في وقت تعمل فيه على تعزيز برنامجها الفضائي، والانتقال نحو طموح أكبر في اكتشاف الفضاء. ذلك أن قرار إشراك لاعبين خواص يأتي أيضاً في وقت يتميز بعودة الاهتمام العالمي بالسفر إلى الفضاء. وفي هذا الإطار، أرسلت «سبايس إكس» مؤخراً رائدي فضاء من وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» إلى المحطة الفضائية الدولية. وكانت هذه أول عملية إطلاق تتم من التراب الأميركي منذ تسع سنوات، لتنهي بذلك الاحتكار الروسي في إرسال رواد فضاء إلى المحطة الفضائية الدولية.
ولا شك أن تجدد الاهتمام العالمي بالفضاء سيزيد الطموحات الفضائية عبر العالم. ولهذا، تحتاج الهند لسياسة واضحة بشأن نوع الدور الذي سيلعبه اللاعبون الخواص في البرنامج الفضائي، كما أن ثمة حاجة إلى إطار تنظيمي وقواعد بخصوص تجارة التكنولوجيا. ثم هناك أيضاً مشكلة التمويل. فحتى الآن، كان البرنامج يمول من قبل الحكومة فقط. وما زال من غير الواضح ما إن كانت الحكومة ستسمح بالاستثمارات الخاصة، وما إن كان المستثمرون الأجانب سيستطيعون الاستثمار في شركات الفضاء الهندية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي