التشارك في المهام المؤداة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية أمر واضح ويمكن رؤيته من خلال النمو الكبير في ميزانية الدولة الاتحادية والإنفاق الذي تقوم به على المشاريع التي تنفذها.
ذلك الإنفاق هو القدر من الأموال التي يتم تخصيصها للميزانية الاتحادية، من خلال المساهمات التي تقدم لتمويل الميزانية الاتحادية، وما تجنيه الحكومة الاتحادية مقابل الخدمات التي تقدمها وتتقاضى عليها الرسوم، ومن عوائد الاستثمارات التي تقوم بها لأموالها في مشاريع داخل الدولة وخارجها، وما تحصل عليه من ضريبة القيمة المضافة.
هذه الأموال تقوم الحكومة الاتحادية بإنفاقها على المشاريع التنموية في البلاد، لكن المستويات المحلية هي المستفيد الأكبر منها، وهي مبالغ ضخمة تنعش الاقتصاد المحلي وإن كانت لا تدخل مباشرة في الميزانيات المحلية، في حين أنه نمط من الإنفاق الحكومي الاتحادي الذي يساعد الحكومات المحلية على أداء واجباتها ووظائفها.
وتجدر الإشارة إلى أن الميزانية الاتحادية للعام المالي 2020 رصد لها مبلغ ضخم يبلغ حجمه 62 مليار درهم «نحو 17 مليار دولار أميركي» خصص ثلثه لخدمات المواطنين، بمعنى الإنفاق على المستويات المحلية، وعلى النحو التالي: 27 مليار درهم لبرامج التنمية والمنافع الاجتماعية، و10 مليارات درهم لبرامج التعليم العام والجامعي والعالي، و5 مليارات درهم لبرامج الرعاية الصحية والخدمات الطبية، و3.5 مليار درهم لوزارة تنمية المجتمع.
واستناداً إلى الإنفاق الضخم الذي تقوم به الحكومة الاتحادية يمكن تحليل التطبيق التجريبي لمقولة الاتحادية الحديثة في الإمارات ومسارات القوة والسلطة التصاعدية التي صار يحظى بها الاتحاد لدى المواطنين، ومدى رغبتهم وتمسكهم ببقائه واستمراريته.
إن أصل الأموال المتدفقة إلى الخزينة الاتحادية، والغرض منها، وما تحققه للدولة والمواطن، والأهمية التي تحظى بها وأهميتها لتماسك الدولة الاتحادية ونظامها السياسي واستقرار المجتمع، هي مسائل ذات أهمية قصوى تجعل الباحث حريصاً على دراستها ومناقشتها في سبيل فهم التركيبة الاتحادية للدولة.
الغرض من مثل هذه الإشارات هو تقديم صورة واقعية لموقف الاتحادية الحديثة المعمول بها، وهي تسير بخطى حثيثة وثابتة باتجاه الاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام الدولة الاتحادية.
الشكل الخماسي المتفق عليه للحكومة الاتحادية يتكون من المجلس الأعلى، ورئاسة الدولة، ومجلس الوزراء الاتحادي والمجلس الوطني الاتحادي والسلطة القضائية. وفي مجتمع حضري - قبلي تقليدي كمجتمع الإمارات، ووفقاً للاستخدام الشائع لهذه المسميات، فإن كلاً منها طوّر لنفسه المفاهيم الخاصة به، من خلال استخدامه العملي من قبل النخبة السياسية التقليدية.
ووفقاً للحالة السائدة يتضح بأن قيام الدارسين للشأن السياسي بالشرح الدقيق لهذه الحالة الفريدة كظاهرة تخص النظام الاتحادي لدولة الإمارات أمر ممكن، لكنه مشروط بخصوصية الإمارات وحدها.
فعلى سبيل المثال المقولة التقليدية المتداولة بأن المجلس الأعلى للاتحاد، ومن خلال تفويضه لمجلس الوزراء، هو الذي يقوم بسن القوانين الاتحادية وإصدار التفسيرات الخاصة بها، وإجراء التغييرات عليها، في حين أن القضاة في جميع مستوياتهم، بما في ذلك رئيس وقضاة المحكمة الاتحادية العليا يقومون فقط بتطبيق تلك القوانين، لكنهم لا يقومون بصنعها، أو إصدارها، أو إجراء تغييرات عليها.
هذا الأمر هو الذي يفسر كيف أن حيازة السلطة السياسية من قبل النخبة  التي تجلس في اجتماعات المجلس الأعلى للاتحاد ليست خاضعة لأية سلطة أخرى على أساس من استمدادها لسلطتها الشرعية من المواطنين مباشرة، استناداً إلى الأعراف التقليدية السائدة، وإلى البيعة التي يبرمها المواطنون مع كل حاكم عند توليه مقاليد الحكم في إمارته.
وخلال نصف قرن التي مضت يتضح بأن الباحثين والمؤرخين وعلماء السياسة وجهابذة القانون الدستوري يجمعون على صحة هذا الطرح.
وتشير العديد من الأحداث والحالات التي صدرت بشأنها قوانين وتشريعات، أو حتى قرارات مهمة بأن المجلس الأعلى للاتحاد هو المسؤول الأول والأخير عنها، فهو الذي يصنعها ويصدرها ويشرف على تنفيذها، وإنْ كان مجلس الوزراء الاتحادي هو الذي يقوم عملياً بذلك كإجراء تنفيذي يتم تكليفه به من قبل المجلس الأعلى للاتحاد.
*كاتب إماراتي