دعوة لنبذ العنف

كريستن كلارك تايلور*

 

ما لم يتوخ المحتجون الحذر، فسيؤدي سلوكهم وسلوك الشرطة، وكل ما يعبّر عن الألم والحزن والقلق، لمستويات غضب جديدة يصعب احتواؤها
---------------------------------------
قلبي منفطر كأم سوداء. قد يضع أحد ما ركبته على رقبة ابني كما حدث لجورج فلويد. وحياة فلويد، وبالتأكيد وفاته، تخصنا جميعاً. لقد مات ووجهه إلى أرض الشارع وهو يتوسل من أجل حياته. وفي لحظاته الأخيرة تضرع إلى والدته الراحلة قائلاً: «أمي، إنني انتهي». هذه الصرخة الغريزية طلباً لمساعدة الأم، التي خرجت من جوف رجل كان يعلم أنه يحتضر، أثقلت قلبي. فحين نعلم أننا في خطر، نصرخ طلباً لنجدة من الأم ليكون آخر عمل نقوم به. جورج فلويد يعنينا جميعاً، مثل كل رجل أسود مات قبله. إنهم أبناؤنا.
قلبي يتمزق ودمعي يسيل حقاً. متى يتوقف هذا؟ كم من الركب ستُوضع بهذا الاستهتار القاتل فوق الرقاب قبل أن ندرك أننا وصلنا نقطة اللارجوع؟ كم من الرجال السود سيستنجدون بأرواح أمهاتهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة؟ الرجال السود يعانون وهم يعيشون ويعانون وهم يموتون. وهذا هو حال أمهاتهم وآبائهم وأسرهم. والآن، بدأت الأمة جميعها، من السود والبيض، تشعر بألمنا. ولهذا تنتشر الحرائق في المدن. إننا جميعاً أمهات جورج فلويد.
وجائحة كورونا التي تتكشف فصولها في الوقت نفسه، جعلتني أشعر بقلق وأشعلت بداخلي لهباً متألقاً جديداً من الخوف والغضب الذي يكاد يوقف ضربات القلب. فقد خَلَقت الكمامات الواقية، التي يراد بها حماية حياتنا، بداخلي مستوى جديداً من الخوف وهو أن وجود كمامة على رجل أسود ليس منظراً جيداً بحال من الأحوال. فقد أصبح الخوف يتملك قلبي في كل مرة أتخيل فيها ابني يدخل مصرفاً أو متجراً أو يعبر شارعاً وهو يرتدي كمامته التي هي قطعة قماش يُراد بها إطالة حياته وحمايتها.
إنني غاضبة لأن الكلمات الأخيرة التي أقولها له دوماً ليست «أنا أحبك»، وإنما «كن حذراً». إنني أرفض أن تُسلب مني عذوبة هذا التعبير البسيط عن الحب. إنني في غاية الغضب لأنه تعين علي أن أخفف هذا التعبير عن الحب إلى مجرد نصحه بأن ينتبه ويحذر في سيره، وألا يأتي بحركات مفاجئة، وأن يتوخى الحذر دوماً ويحرص على حياته. والآن، يتعين أن أقلق من كل ما تمثله هذه الكمامة. الآن، يتعين أن أقلق من حقيقة أن هناك شخصاً ما يشعر بالخوف حين يرى رجلاً أسود. ولي أن أقلق مرة أخرى، لكن إلى مستوى جديد تماماً، بأن الخوف يجعل الناس يقومون بحماقات. والآن، يتعين علي أن أوقف هذا التأجج البطيء للهلع الذي يغلي في قلبي ويئز في جوفي. لقد تعبت من خوفي على رجالنا السود. ولكم أن تتخيلوا شعور الرجال السود أنفسهم.
الشوارع تحترق والألم والغضب للأمة ككل، أصبحا أدوات تهييج في حد ذاتهما. وهذا الألم يخصنا جميعاً الآن. يخص كل أم تعيش قلقاً مستمراً من احتمال مواجهة ابنها مصيراً مشابهاً. ويخص كل مواطن، أسود كان أم أبيض، سئم من أنماط الوحشية هذه التي يتعين عليه الكشف عنها. لكن يتعين علينا أن نوجه هذا الألم إلى شيء إيجابي. فيجب على مثيري الشغب التوقف عن شغبهم. ويتعين وقف الحرائق والاشتباكات والقنابل المسيلة للدموع والعنف والنهب. ويتعين أن نجتمع بشكل سلمي ونتحدث عن أمور حيوية ينص عليها الدستور. لكن يجب ألا تأخذ طريقة التعبير شكل الغضب الجامح والحنق الضاري. فهذه الطريقة تسحق رسالتنا في الطريق. وشدة الغضب تفسد الرسالة، وفي هذا هلاكنا النهائي. وما لم نتوخ الحذر، سيؤدي سلوكنا وسلوك الشرطة والمحتجين وكل ما يعبر عن الألم والحزن وكل مشاعر القلق إلى فتح الباب لمستويات جديدة من الغضب الضاري الذي سيكون من الصعب احتواؤه.
يتعين علينا –جميعاً- أن نتحد، ونتذكر أننا مازلنا في قبضة جائحة عالمية، التجمع خلالها بطريقة سلمية خطير بحال من الأحوال. فهل يجب أن نعصف بالتباعد الاجتماعي؟ وهل ارتداء كمامة واقية هو تعبير عن الانصياع حين ننزل فيه إلى الشوارع لنحتج على وحشية الشرطة؟ هل فيروس «كوفيد-19» الصغير الذي يحمله الهواء أصبح أقل عدوى، بسبب الغضب العارم من العنصرية ووحشية الشرطة؟ بالله عليكم دعونا نكون أذكى من هذا.
كل أم وأب وكل مواطن أميركي، من البيض أو السود، يتعين أن يرتقوا فوق هذا العنف وليس فوق الغضب، لأن غضبنا هو ما يحشدنا إذا استطعنا تحويله إلى تغيير مثمر. بينما العنف يفسد رسالتنا ويدفعنا نحو هاوية بلا قرار.
وإذا وقعنا في هذه الهاوية، فقد انتهى أمرنا. إني أتمزق من كل هذا الموت الناتج عن سحق الرقاب وعن الذرات السامة التي تنتظر غزو أجسامنا. وأتمزق أيضاً من كل هذا الخوف الخانع على أبنائنا الذين يرتدون كمامات وهم يقومون بأشياء بسيطة مثل مجرد السير في متجر. لكني لن أدع قلقي يشل حركتي. سأجعله يرفعني ويأخذني إلى مكان جديد لا يمكن بلوغه إلا بتغيير إيجابي. العنف لابد أن ينتهي. قلبي كسير حقاً، لكن لطالما تعلمت أن ما كُسر يمكن إصلاحه.

*كاتبة ومستشارة سابقة للبيت الأبيض
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»