الاستثمار في التعليم وتطويره وتجويد مخرجاته، بحيث تضاهي أرقى المستويات العالمية، نهج ثابت وراسخ اختطته دولة الإمارات منذ قيامها وسارت عليه وحرصت على تعزيزه، باعتباره السبيل الأمثل والطريق الأقصر نحو تحقيق النهضة المنشودة واستمرار مسيرة التنمية والازدهار، التي تحتاج إلى كوادر وطنية مؤهلة ومتسلحة بالعلم والمعرفة وقادرة على التعامل مع معطيات العصر ومستجداته واستيعاب تطوراته المتسارعة وتوظيفها لخدمة المشاريع الوطنية.
ولتحقيق هذا الهدف، وانطلاقاً من قناعة راسخة بأهمية أن يمتلك أبناء وبنات الإمارات ناصية العلم في شتى صنوف ومجالات المعرفة، وبضرورة أن تتاح الفرصة لكل راغب منهم في مواصلة دراسته ونيل أعلى الدرجات العلمية، حرصت القيادة الرشيدة للدولة على إقامة منشآت التعليم العالي من معاهد وكليات وجامعات، وتزويدها بكل المتطلبات والمستلزمات التي تضمن توفير بيئة تعليمية متكاملة تسهّل للطلاب والطالبات النهل من أصول العلوم وفروعها على تنوعها، واكتساب القواعد والأسس الأكاديمية التي تعينهم على خوض غمار الحياة والتصدي لكل تحدياتها بكفاءة واقتدار، حتى أصبحت جامعاتنا منارات ومشاعل علم ومعرفة ومضرب مثل في الرصانة، وباتت تحقق مراكز متقدمة على سلم ترتيب أفضل الجامعات العالمية.
لقد أكدت الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030 التي أطلقتها حكومة الإمارات في عام 2017، تزويد الطلبة بالمهارات الفنية والعملية لدفع عجلة الاقتصاد في القطاعين الحكومي والخاص، وتخريج أجيال من المتخصصين والمحترفين في القطاعات الحيوية ليكونوا ركيزة رئيسية في بناء اقتصاد معرفي، ويشاركوا بفاعلية في مسارات الأبحاث وريادة الأعمال وسوق العمل.
ولا شك في أن قياس نجاح أي مشروع يتم من خلال اختبار نوعية مخرجاته وقدرتها على تحقيق الأهداف الأساسية التي أطلق من أجلها، وعلى أن تشكل إضافة نوعية وليست كمية، وقد أثبتت مخرجات التعليم العالي في الإمارات إدراكها لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في تلبية نداء الوطن وقدرتها على ترجمة مكتسبات التعليم الأكاديمي إلى ممارسات وتطبيقها على أرض الواقع في الحياة العملية، وهو ما يمثل أعلى معايير النجاح والتميز.
يوم أول من أمس، كان الوطن على موعد مع تخريج كوكبة جديدة من طلاب وطالبات جامعة الإمارات، هذه الجامعة العريقة التي رفدت مسيرته على مدى 44 عاماً بكفاءات ساهمت في خدمته وسخّرت خلاصة جهودها وثمرة معارفها وخبراتها في سبيل إعلاء رايته وتمكينه من أن يحتل مكانته التي يستحقها بين دول العالم، وهو موعد حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على الاحتفاء به، وعلى أن يكون حاضراً فيه كما جرت العادة كل عام، ليكون بين أبنائه الخريجين ومعهم يهنئهم بالإنجاز والنجاح، ويشحذ هممهم ويدعم طموحاتهم نحو المستقبل الأفضل.
وخلال الحفل كانت كلمات سموه، التي وجهها للخريجين، بمثابة الدرس الأول والدليل الذي يمكن لهم الاستعانة به لشق طريقهم في الحياة العملية والنجاح في تجاوز التحديات والعقبات التي قد تواجههم أثناء مسيرتهم نحو المستقبل الذي ينتظر منهم مبادرات تصنع الفارق، وتحقق التغيير المنشود الذي يتطلع إليه محيطهم القريب ووطنهم الكبير، حيث أكد سموه أن الظروف التي يمر بها الوطن والعالم كله نتيجة جائحة كورونا هي ظروف مؤقتة ستنتهي ليخرج منها وطننا أكثر قوة وصلابة وقدرة على قهر التحديات، ودعاهم إلى التفاؤل بأن القادم سيكون أجمل وأفضل لأن «الإمارات عظيمة وفرصها كبيرة وطموحاتها في السماء ومسيرتها مستمرة ولن تقف أو تتوقف، ورؤيتها تكبر كل يوم، ومستقبلها سيكون عظيماً بإذن الله».
صحيح أن حضور سموه كان عبر تقنية الاتصال المرئي وليس بشكل شخصي، لكنه حضور ملهم ومحفز له أثره الفاعل، فكلمات سموه جاءت لتشكل حافزاً على العطاء والإبداع ودعوة للحرص على الاستمرار في الجد والاجتهاد والتطلع بتفاؤل وأمل لا حدود لهما نحو المستقبل الذي سيكون مشرقاً بإذن الله، ثم بفضل جهود المخلصين من أبناء الإمارات الذين يقدمون النموذج والقدوة في العمل بلا كلل أو ملل من أجل تعظيم منجزات الوطن وتمكينه من تحقيق كل ما يصبو إليه من رفعة وعزة ومنعة وتقدم.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.