منذ أن هلّ هلال الشهر الكريم، وهذه المرأة تجلس عند عتبة باب منزلها وتتأمل الشارع الخاوي، وتنصت إلى الصمت الذي اختبأ في مسمعيها محركاً في داخلها آلة الماضي، ومزلزلاً جوارحها، وجوانحها.
ما الذي يجري في العالم؟ هكذا سقطت العبارة من فمها المطبق، كأنها الشهاب السماوي، ثم أدمعت عيناها، وهي تلتفت إلى الوراء وترصد عدد الأطباق المصفوفة في الأدراج الخشبية، دون أن تلمسها يد.
وقالت في لغة مضعضعة: ماذا فعلت بقلبي يا كورونا؟ ثم مسحت الدمعة الحيرى، وأخذت نفساً عميقاً، ولحست الملح من بين شفتيها، وهي تتعقب خطوات الكائن الصغير الذي تخبط على الأسفلت مجروراً بحرف الشطف، والجوع، ولما اقترب منها، دعته للدخول، ورغم تقبله الدعوة، إلا أنه حرص ألا تلمسه يد المرأة، فاختلس شق الباب الموارب، وتسرّب بسرعة وما أن ابتعد عن المرأة لمسافة خطوات قصيرة، ارتد، وأصدر مواء دلّ على أنه يريد من المرأة أن تقوده إلى مكان الطعام، بينما ظلّت المرأة متسمرة في مكانها تتفحص وجه الكائن، والذي أحسّت فجأة أنه قريب إلى قلبها، وأنه ملأ فجوة ما انحفرت في صدرها جرّاء كورونا، ولم تستطع المرأة إيقاف مواء الكائن إلا عندما سارت أمامه وتبعها هو إلى المطبخ، وهناك سحبت المرأة وعاء معدنياً، مليئاً ببقايا سمك، وقدمته، وهمّ الحيوان الضعيف بتلقف الطعام ملهوفاً، وبين الفينة والأخرى ينظر إلى المرأة، محترساً من أي خطر، أو خدعة قد تبدو من المرأة.
استمرت المرأة في استضافة الحيوان، والذي أصبح أليفاً لا يعبأ بأي خطر، بل صار يقترب من السيدة، ويلتف في طرف ثوبها، ويموء بصوت حنون.
ومع مرور الأيام ألفت المرأة هذا الحيوان، كما ألفها، وصار واحداً من أفراد الأسرة، والتي في الأساس تتكون من المرأة، مع خادمتها.
شعرت المرأة أن هذا الكائن «غير العاقل» أكثر ذكاء من كثير من البشر، فإنه برغم الجائحة، والاستنفار العالمي لضربه، وطرده، والانتصار عليه، فإن هذا الحيوان اعتاد على مواجهة الفيروسات بقدراته الذاتية، والاعتماد على مناعته الجسدية، وهذا ما جعل المرأة تكتفي بوجود الحيوان، وتقتنع بأنه لا مجال للاختلاط بالبشر، طالما بقي كورونا يحوم في أرجاء العالم، فتعلّقت بالحيوان، إلى درجة أنها لم تصبر على غيابه لبرهة، ولكن هناك من يتربص بكل الكائنات، إنه الموت، ففي يوم، غاب الحيوان، ولم يحضر مائدته المعتادة، ولما بحثت عنه، وجدته ملقياً في عرض الشارع، بعد أن دهسته سيارة حمقاء.