آلاف العناصر من «داعش» و«القاعدة»، أغلبهم في سجون تركيا والباقي على حدودها مع سوريا، لجأت حكومة أنقرة إلى لملمتهم جميعاً، وفقاً للاستحقاقات الروسية التركية الأخيرة التي تستوجّب «التصرف بهم»، لتلقي بهم طائراتها العسكرية في طرابلس. ذكرت ذلك مصادر عدّة، من بينها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بلندن. وبذلك تكون تركيا قد وفّت الاستحقاق الروسي الذي تستوجبه التسوية الجديدة المتوقعة في سوريا قبل نهاية العام الجاري، من جهة، وعزّزت، من جهة أخرى، دعمها لحكومة السرّاج.. مما تسبب في رفع منسوب العمليات الإرهابية ضد الجيش الوطني الليبي، في شهر رمضان وحده، ليصل إلى 120 عمليّة. تركيا اعتبرت تخلّصها من الإرهابيين خطوة استباقية، ذلك أن الاستثمار المتبادل بين أنقرة والمنظمات الإرهابية، على اختلاف مسمياتها وجبهاتها، قد يتعرّض في أية لحظة لعملية انقلاب السحر على الساحر. بدليل انقلاب حركة «طالبان» الأفغانية على باكستان. إن هذا العدد الكبير من إرهابيي تركيا الذين وصلوا إلى ليبيا (11 ألفاً)، لا ضمان بأن يظلوا في المواقع التي حُدّدت لهم. فالتقارير تقول إن كثيراً منهم ذهبوا إلى أوروبا عبر المتوسط، وآخرين أكملوا مسيرتهم إلى مجموعات إرهابية في مالي وأفريقيا الوسطى. تحليلات كثيرة رشّحت ليبيا لتكون سوريا وتلقى المصير ذاته. وهو حلم تتمنى تركيا أن يتحقق، لما يوفره من تسهيلات تعينها على تنفيذ أهدافها الاقتصادية في ليبيا، واستثماراتها في النفط والطاقة بوقت أسرع. لكن مَن يحلم بالنجوم قد يتعثّر بحصاة على الأرض، تكسره. منهج تركيا في توسعها أن ليس ثمة أفضل من الفوضى والانفلات الأمني والجريمة، فرصةً لنهب ثروات الشعوب، وتجميد دولها عند الصفر التاريخي. سيناريو كهذا، محتمل الوقوع وإن جزئياً، فأنقرة تتحرك بضوء أميركي أخضر، وحلف شمال الأطلسي لا يمكنه فعل شيء، وأوروبا مشهود لها بوفائها لحسن علاقتها بـ«القلق» ولا شيء غيره: تعهّدت بوقف الإمدادات العسكرية وتدفق الإرهابيين من تركيا لليبيا، وفشلت بالمهمَة. أوروبا، وعبر تاريخها المعاصر، عُرفت بدأبها على تعثير أية خطة لتقرير مصير الشعوب. وليس أدل على إفسادها لجهود بنّاءة كهذه من نظرتها السياسية للصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين، ناهيك عن مسؤوليتها حيال جملة الإخفاقات المدويّة في أفريقيا. لا قوة نافذة في الأفق القريب يُرتجى منها التدخل لحسم ما يجري في ليبيا. حتى الذين يتحدثون عن «جهود» روسيّة، أغفلوا حقيقة أن «الساحل الإفريقي» من مصر شرقاً إلى طنجة غرباً، يعدُّ منذ الحرب العالمية الثانية، خطاً أحمر بالنسبة لأميركا، لا يمكن لأحد تجاوزه دون إشارتها. وستشهد الأيام المقبلة تموضعاً عسكرياً أميركا قرب ساحة الأحداث.