أضحى الأمن العالمي في أزمة بنيوية كبيرة بسبب جائحة كورونا، كما أن مفهوم الأمن الجماعي أصبح قاب قوسين أو أدنى من التبدل أو الانهيار، وهنا يطرح سؤالان حول دور الأمم المتحدة الحقيقي في وضع حد للصراعات في شتى أنحاء العالم، ومفهوم حفظ الأمن والسلم الدوليين مما يحصل اليوم. والذي نلاحظه، هو أن الأمم المتحدة لا تتحرك بشكل سريع لمواجهة هذه الأزمات، خاصة أننا نعلم أن الأمن الصحي هو جزء لا يتجزأ من السلم والأمن العالمي، فمنظمة الصحة العالمية، وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة، تعطي انطباعاً بأنها الأقل تعاطياً مع أزمة دولية هي من صميم مهامها وواجباتها الأممية، وباستثناء إعلانها المتأخر عن كورونا وباءً عالمياً، لم نلاحظ أية استراتيجية دولية متكاملة الأركان في مواجهة الفيروس، ومما زاد الطين بلة، حرمانها اليوم من جزء أساسي من ميزانيتها بعد قرار الرئيس الأميركي انسحابه من المنظمة، وهو ما يهدد برامجها الصحية في أشد البلدان فقراً.
صحيح أن الجمعية العامة تبنت في الأسابيع الماضية قرارات حول كورونا، ومن ذلك قرارها حول التعاون الدولي من أجل ضمان الحق في الوصول إلى الدواء واللقاح والمستلزمات الطبية الأساسية للجميع حول العالم. كما أصدرت قراراً آخر حول «التضامن العالمي لمكافحة فيروس كورونا» أكدت فيه التزامها بالتعاون الدولي وتعددية الأطراف، ودعمها القوي للدور المحوري الذي تضطلع به منظومة الأمم المتحدة في التصدي لجائحة كورونا على الصعيد العالمي. وشدّدت على ضرورة الاحترام التام لحقوق الإنسان. ودعت إلى «تكثيف التعاون الدولي لاحتواء الجائحة والتخفيف منها ودحرها، بما في ذلك عن طريق تبادل المعلومات والمعارف العلمية وأفضل الممارسات وتطبيق المبادئ التوجيهية ذات الصلة، التي توصي بها منظمة الصحة العالمية». وتم تبني كل هذا بموجب القرار الصادر في 27 مارس الماضي، تحت عنوان «إجراءات اتخاذ قرارات الجمعية العامة خلال جائحة كورونا (كوفيد-19)»، حيث إن رئيس الجمعية العامة وبعد تشاور مع اللجنة العامة، يبعث برسالة تنص على مشروع القرار الذي تقترحه دولة أو أكثر، لجميع الدول الـ193 الأعضاء في الجمعية. ويمهل تلك الدول مدة محددة، على الأقل 72 ساعة، فإذا لم تكسر أي منها الصمت، أي لم تبعث رسالة اعتراض ببلوغ الساعة المحددة، فهذا يعني أنّ القرار تم تبنيه.. لكن تبقى كل هذه القرارات ضعيفة، ولا أثر لها على النظام العالمي، ولا على مئات المشاكل المستعصية التي يعاني منها.
طريقة عمل الأمم المتحدة هي من ميراث الحرب العالمية الثانية، والنظام العالمي يتغير يوماً بعد يوم، ويستحيل عليه أن يوسم بالاستقرار مع طبيعة المشاكل الجديدة في النظام العالمي، وطبيعة مكونات الفاعلين القدامى والجدد في العلاقات الدولية المعاصرة. كما أن إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة التي تؤرق المشتغلين بالعلاقات الدولية والمتتبعين للأحداث المتسارعة في الساحة العالمية. فهذه المنظمة الأممية أنشئت سنة 1945، وبني هذا الإنشاء على علاقات القوة الموروثة من الحرب العالمية الثانية التي جعلت من الدول الخمسة الكبرى (الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، الصين، بريطانيا، وفرنسا) تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكنها استعماله متى تشاء، وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها، بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيواستراتيجية متعددة، يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية، دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة. وكان حرياً بميثاق الأمم المتحدة أن يتطور تبعاً للمستجدات التاريخية، لكن كل هذا لم يقع، لأن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء (الأمم المتحدة) إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء (الأمم المتحدة) ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة». بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هذه المادة صعب، بل غير ممكن، طالما أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن.