تمثل استعادة حركة الاقتصاد هاجساً عالمياً يهيمن على كافة الدول، وخاصة بعد أن أدى الإغلاق الاحترازي لتقليل انتشار عدوى كورونا إلى توقف الكثير من الأنشطة، مما أحدث جموداً مؤقتاً في الاقتصاد العالمي. لكن العودة مجدداً إلى تدوير عجلة النشاط، تمنح الأسواق مزيداً من الثقة في القدرة على استعادة الطاقة القصوى للإنتاج، والهدف الأول في كافة القطاعات الاقتصادية يتحدد بإصلاح ما أفسده كورونا، وتلافي التداعيات الناجمة عن فترة الجمود التي آن لها أن تنتهي.
لا شك أن القطاع الصحي في مختلف دول العالم، اكتسب خبرات وآليات عملية لمواجهة الوباء، الأمر الذي سمح بتوفير بيئة تشجع على استئناف الحركة الطبيعية، ضمن محاذير اعتاد المستهلكون على اتباعها، ويبدو أنها سوف تتحول إلى سلوك احترازي مصاحب للحركة في الشوارع والأسواق التجارية، بعد ثبوت أهمية وجدوى الإجراءات الوقائية التي يتبعها الأفراد لحماية أنفسهم وعائلاتهم من العدوى.
هي إذن عودة إلى إنعاش الحياة الاقتصادية، مصحوبةً بالتقيد بكل ما يعزز الوقاية، وهذا هو النهج المتبع في دولة الإمارات، التي تعود قطاعاتها الاقتصادية إلى الانتعاش، على قاعدة الاستفادة من حوافز وتسهيلات حكومية ضخمة، تدعم التعافي والنهوض الاقتصادي، وتكفل الحفاظ على المكتسبات والإنجازات التي حققها الاقتصاد في الإمارات، من حيث ارتباطه بالمؤشرات العالمية التنافسية.
ورغم أن قاطرة الاقتصاد تحظى بأولوية من حيث العناية، فإن الإمارات أدركت أن الترابط يشمل كافة الأنشطة، لذلك يمكن القول بأن مرحلة جديدة تبدأ في بلادنا، عنوانها نزع المخاوف والانتقال إلى استعادة زمام المبادرة والتعايش مع ضرورة استعادة الحياة الطبيعية، مع توفير وسائل الحماية الصحية، باستثمار النجاحات التي تحققت في إدارة أزمة كورونا، واستجابة المواطنين والمقيمين لتنفيذ إجراءات احترازيه عالية المستوى، الأمر الذي يشجع على الشروع في مرحلة التعايش الإيجابي الذي يسمح بتفعيل العمل في كافة القطاعات، مع الاستفادة من إمكانيات استمرار العمل عن بُعد في الجهات التي لا يتأثر نشاطها بهذه الآلية.
إن قاعدة الاقتصاد في الإمارات تمتلك مقومات النهوض والتغلب على الأزمات، وهناك حزمة معطيات جديدة، تعزز من ثقة المستثمرين، وتبشر بنقلة نوعية مرتقبة، يمكن لمس أثرها الاقتصادي على المدى المتوسط. ومن ضمن التسهيلات الجاذبة انخفاض أسعار الفائدة على التمويل العقاري، الذي أصبح يشمل حالياً، إلى جانب المواطنين، المقيمين وغير المقيمين بالدولة، وبعروض مجزية تصل إلى تمويل نسبة 85% من قيمة العقار، بهدف دعم جاذبية هذا القطاع الحيوي.
وضمن التسهيلات التي يتوقع أن يكون لها مردود إيجابي ينعكس على ازدهار اقتصاد ما بعد مرحلة كورونا، وفي إطار جذب المستثمرين الأجانب، توفر 40 منطقة حرة في الإمارات حق التملك بنسبة 100% للاستثمار الأجنبي محلياً، مع إتاحة مرونة القيام بالأعمال التجارية من أي مكان داخل الدولة.
ولا ننسى أيضاً أن رصيد الاقتصاد الإماراتي من الثقة العالمية يرتكز دائماً على المرونة والتسهيلات وسرعة الإجراءات، وتميز الدولة بالأمن والاستقرار والبنية التحتية المتطورة والقدرة على التكيف مع مستجدات التحول الرقمي.
ومن مؤشرات التعافي الاقتصادي، التي بدأت تظهر في السوق المحلية، انتعاش الأسهم المحلية، على خلفية التوجه العام نحو السماح بعودة حركة التجارة، وبتأثيرٍ كذلك من عودة البنوك المحلية إلى ضخ أموالها في أسواق الأسهم.
ويمكن القول إن الإمارات تخوض تحدي استعادة الحياة الطبيعية وحماية اقتصادها وتنمية مواردها، ولديها جاهزية مالية من خلال تموضعها في المرتبة الثانية عالمياً من حيث حجم أصول الصناديق السيادية، إضافة إلى رصيد من النجاح في التغلب على الأزمات وإداراتها بالمزيد من الحكمة.

*كاتب إماراتي