حث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مواطني بلاده على «التصرح بتأييد المحلي» ودعم الصناعة المحلية كحل لفقدان الوظائف وتنامي الضغوط الاقتصادية التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا. ودعوته تأتي في غضون الإعلان عن صفقة تحفيز اقتصادية بقيمة 20 تريليون روبية أي ما يعادل 378 مليار دولار لبدء تحرك الاقتصاد الذي توقف بسبب إغلاق خانق فرضته جائحة كورونا. وتتضمن الصفقة ثلاثة مليارات روبية في صورة قروض بلا ضمان للأنشطة الاقتصادية الصغيرة كجزء من مسعى للخروج بالبلاد من الركود الاقتصادي الذي تسبب فيه الفيروس. واستهدفت الصفقة في الأساس توفير السيولة و"تمكين" المستثمرين.
وتخرج الهند ببطء من إغلاق خانق دام بضعة أسابيع لكبح انتشار فيروس كورونا. وأوقف الإغلاق النشاط الاقتصادي بشكل تام، لكن تعود إليه الحياة ببطء مرة أخرى مع رفع الحكومة للقيود. وعادت الصناعات والمتاجر تفتح أبوابها فيما عدا مراكز التسوق مع مراعاة إجراءات التباعد الاجتماعي.
لكن في الوقت نفسه، حث «مودي» الهنود على عدم النظر إلى الخارج للبحث عن حلول بل الاعتماد على ذاتهم وتشجيع الهنود على شراء المنتجات المحلية. وفي غمرة القلق من احتمال سير الهند نحو الحمائية، أعلن مسؤولون من الحكومة أن هذا ليس إجراء للعزلة بل لتشجيع الشركات الأجنبية التي تتطلع إلى تنويع نشاطها خارج الصين على إقامة أنشطتها الاقتصادية في الهند. ومن أجل هذا، حددت الحكومة الهندية 12 قطاعاً من بينها الأحذية وقطع غيار السيارات والنسيج والآلات الصناعية والأثاث باعتبارها مجالات تستطيع الهند أن تحقق فيها الاعتماد على الذات وتصبح مُصدّراً عالمياً.
وظلت الهند مقتنعة بفكرة الاعتماد على الذات على مدار عقود، قبل وبعد الاستقلال عن بريطانيا. وظلت البلاد مغلقة أمام العولمة لأكثر من 50 عاما مما تمخض عن الانكفاء على الذات ونظام معقد من اللوائح والتراخيص والقيود البيروقراطية الصارمة التي تحكم النشاط الاقتصادي وتوصف بشكل انتقادي بعبارة «قاعدة الترخيص».
لكن مساهمة القطاع الصناعي الهندي في الإنتاج المحلي الإجمالي ظل يتراوح بين 14% و16% لسنوات بينما استهدفت الحكومة أن تبلغ مساهمة هذا القطاع 25% بحلول عام 2022. ولم يتحقق الكثير من التأثير فيما يبدو لحملة «اصنع في الهند»، التي دشنها «مودي» في فترة ولايته الأولى. والنمو الاقتصادي يتباطأ حتى بلغ 4.7% في الربع الأخير من عام 2019 قبل ظهور الوباء، في أقل نسبة في ست سنوات. ويتوقع أن يؤثر الإغلاق بقوة في النمو الاقتصادي مما قد يجعل العام الجاري أسوأ من الأزمة المالية العالمية لعام 2008.
وقدمت الحكومة- من بين إجراءات عديدة في صفقة التحفيز- اقتراحات لتعزيز السيولة للأنشطة الاقتصادية الصغيرة التي تمثل العمود الفقري للصناعة الهندية. وجائحة فيروس كورونا أسرعت بالإصلاحات المطلوبة في الهند. وبدأت الولايات تصلح قوانين العمل. فقد أوقفت ولاية «أوتار براديش» تطبيق 38 قانون عمل لكن التحرك أثبت أنه مثير للخلاف بعد إجبار الولاية على التراجع عن قانون يزيد ساعات العمل من 8 ساعات إلى 12 ساعة. وهذا لأن الإجراء لن يغري على الأرجح الشركات الأجنبية التي تواجه رقابة شديدة في قضايا العمال. وفتحت الحكومة أكثر القطاعات، مثل الدفاع، أمام الاستثمارات الأجنبية لتحفيز الصناعة.
والاعتماد على الذات تم تفسيره على أنحاء مختلفة من قطاعات مختلفة وسط مخاوف من الحمائية. فقد نظرت بعض الشركات الهندية إليه باعتباره فرصة لصنع علامة تجارية بينما تؤكد الشركات الأجنبية على تقديمها فرص عمل للسكان المحليين. والجانب المحوري في اعتماد الهند على نفسها يتمثل أيضا في جذب الشركات الأجنبية إلى التصنيع في الهند والتمتع بميزة قاعدة الاستهلاك الواسعة التي مازالت تمثل نقطة جذب للشركات العالمية. ويواجه المسؤولون متاعب للتأكيد على أن سياسة البلاد الجديدة للاعتماد على الذات ليست انعزالية في طبيعتها. ويؤكدون على أن الهند المعتمدة على ذاتها ستكون أكثر عالمية. وتأمل الحكومة أيضاً أن تسعى الشركات الراغبة في الاستثمار خارج الصين في غمرة الجائحة إلى توجيه أنظارها إلى الهند باعتبارها أحد الخيارات الممكنة.
وبعيداً عن تفسيرات الحكومة للاعتماد على الذات، تفسر قطاعات مختلفة هذه السياسة بطرائق مختلفة. وعلى سبيل المثال، تؤكد نقابات العمال المنتسبة إلى أحزاب الجناح اليميني على أن مودي يقصد بتوجهه المحلي الحث على شراء المنتجات هندية الصنع. لكن مع مضي الحكومة قدماً في سياستها، يتعين أن تؤكد أن الاعتماد على الذات لا يسير نحو الحمائية التي قد تضر بنمو الهند.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي