الانكماش الاقتصادي الذي نشهده حالياً هو الأسرع في التاريخ، ولعل ما فقدناه من الوظائف خلال الأسبوعين الماضيين يعادل ما فقدناه منها في كل أزمة «الركود الكبير»، لكن الرد «السياسي» كان ضخماً كذلك، إذا مثّل كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أضعاف ما مثّلته حزمة إجراءات أوباما الرامية لتنشيط الاقتصاد، غير أنه يبدو لي أننا لم نجرِ نقاشاً واضحاً بعد حول الأبعاد الاقتصادية لما يجري حالياً، ولماذا نقوم به؟ وما هي التداعيات التي ستكون لكل هذا الأمر على المدى البعيد، حينما ينتهي الوباء؟
الدرس الرئيس لهذا التحليل هو أن ما ينبغي أن نفعله الآن -وما نقوم به حالياً، لحد ما- هو أشبه بالإغاثة السريعة لضحايا الكوارث منه بالتحفيز المالي العادي، وإنْ كان ثمة عنصر يتعلق بالتحفيز أيضاً، فهذه الإغاثة يمكن وينبغي أن تموّل من خلال الاستدانة. وقد يكون ثمة بعض التأثير السلبي جراء هذا الاقتراض، إلا أنه يفترض ألا يطرح أي مشاكل كبيرة.
إن ما نشهده حالياً ليس ركوداً تقليدياً حدث بسبب تراجع في الطلب الكلي، وبدلاً من ذلك أخذنا ندخل إلى المعادل الاقتصادي للغيبوبة المستحثة طبياً، والتي يتم فيها إغلاق بعض الوظائف الدماغية بشكل متعمد من أجل منح المريض وقتاً للشفاء والتعافي.
ولتبسيط الأمور، فكر في الاقتصاد باعتباره يتألف من قطاعين: خدمات غير أساسية (غ) يمكن إغلاقها من أجل الحد من التفاعل البشري، وبالتالي نشر الفيروس، وخدمات أساسية (أ) لا نستطيع إغلاقها، (أو ربما لسنا في حاجة لإغلاقها، لأنها لا تنطوي على تفاعلات شخصية).إننا نستطيع، وينبغي أن نفعل ذلك، إغلاق قطاع «غ» إلى أن يسمح لنا تضافر عوامل تشمل ازدياد المناعة، وإجراء الاختبارات على نطاق واسع لإيجاد حالات الإصابة وعزلها، وإذا كنا محظوظين، لقاحاً، بالعودة إلى حياة طبيعية.
وبالنسبة للأشخاص الذين ما زالوا يتلقون رواتبهم المنتظمة، مثلي، ستكون فترة الإغلاق هذه، ولنسميها «غيبوبة كورونا»، مزعجة، لكنها ليست خطرة.
فأنا أفتقد المقاهي والحفلات الموسيقية، لكني أستطيع العيش من دونها مهما طال الأمر.
غير أن الأمور ستكون مختلفة جداً وصعبة بالنسبة للأشخاص الذين حُرموا من دخلهم المنتظم خلال فترة «غيبوبة كورونا».هذه المجموعة تشمل الكثير من العمال والشركات الصغيرة، كما تشمل حكومات الولايات والحكومات المحلية، المطالبة بتحقيق توازن في ميزانياتها، لكنها ترى عائداتها تنهار ونفقاتها ترتفع.
لكن ما حجم قطاع «غ»؟ ميغيل فاريا إيكاستو، من «الاحتياطي الفدرالي» في سانت لويس، يلخص التقديرات: 27 إلى 67 مليون شخص، مشيراً إلى 47 مليون كمتوسط.
وهذا عدد ضخم في الواقع، وقد نرى تراجعاً مؤقتاً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يبلغ 30 في المئة أو أكثر، لكن ذلك التراجع في الناتج المحلي الإجمالي ليس هو المشكلة، نظراً لأنه مقابلٌ ضروري للتباعد الاجتماعي الذي نحتاج للقيام به حالياً، بل المشكلة تكمن في كيفية الحد من المعاناة التي تواجه الأشخاص الذين قُطعت مداخيلهم العادية.
ما الذي يمكن فعله من أجل مساعدة من فقدوا مداخيلهم العادية خلال فترة الإغلاق الوطني هذه؟ إنهم لا يحتاجون لوظائف، فنحن لا نريدهم أن يعملوا في وقت يمكن أن يتسبب فيه روتين العمل اليومي في نشر فيروس قاتل، بل إن ما يحتاجونه هو المال،
أي أن المطلوب الآن هو إغاثتهم وتخفيف معاناتهم، وليس التحفيز الاقتصادي.
والواقع أن بعض العمال العاطلين ربما يكونون قادرين على التحول لفعل أشياء أخرى رغم الإشعار القصير نسبياً، مثل العمل كسائقي لدى «أوبر» يقومون بتوصيل الطلبيات لحساب «أمازون»، غير أن ذلك لا يستطيع استيعاب أكثر من نسبة قليلة من القوة العاملة العاطلة.
على أن النقطة الأهم هي أننا إذا فشلنا في توفير مساعدة كافية للمتضررين من الإغلاق، فإنهم سيضطرون لتقليص إنفاقهم بشكل حاد على السلع والخدمات التي ما زلنا نستطيع إنتاجها، ما يؤدي إلى زيادة مجانية أكبر في البطالة.
وبالتالي فإن مساعدة الأشخاص العاملين في القطاع الذي شمله الإغلاق تشتمل بالفعل على عنصر من التحفيز الاقتصادي التقليدي، وإنْ كان ذلك ليس هو هدفه المركزي.
وختاماً، فإن الإغلاق المفاجئ لمصادر العائدات بالنسبة لكثير من الشركات أخذ يخلق ضغوطاً مالية تشبه تلك التي ظهرت في 2008-2009، ذلك أن أسعار الأصول الخطرة هوت، وأن المستثمرين يتهافتون على السندات الحكومية.
ولهذا، فإن الاحتياطي الفيدرالي محق حين وضع هذه الأزمة نصب عينيه، وفعل «كل ما يلزم» من أجل إرساء استقرار الأسواق المالية.
وبعبارة أخرى، هناك قِطع من هذه الأزمة تشبه محاربة الركود التقليدية، لكن المشكلة الجوهرية تظل توفير الإغاثة لمن تضرروا من الإغلاق أكثر من غيرهم.
دعني ألخّص الوضع حيث نحن اليوم.
إننا نواجه فترة نجهل أمدها في وقت يستطيع فيه الجزء الأكبر من الاقتصاد، وينبغي له، أن يغلق، لكن الهدف الرئيس للسياسات خلال هذه الفترة ينبغي ألا يكون دعم الناتج المحلي الإجمالي، وإنما تخفيف المعاناة التي تواجه من حُرموا من دخولهم العادية، والحكومة تستطيع بكل بساطة اقتراض المال الذي تحتاجه لفعل ذلك.

*كاتب وأكاديمي أميركي حائز جائزة نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/04/01/opinion/notes-on-the-coronacoma-wonkish.html