في نهاية الأسبوع الأخير احتفل الأميركيون بـ«يوم الذكرى»، وهو مناسبة لتكريم أولئك الرجال والنساء الذين ماتوا في الحروب السابقة. نهاية الأسبوع كانت أيضاً بداية موسم الصيف وفتح المسابح العمومية، والخروجات إلى الشواطئ، ووقت الأنشطة التي تمارس في الهواء الطلق، مثل الرياضات والنزهات وحفلات الشواء. كما كانت نهاية الأسبوع مناسبة بالنسبة للعديد من الأميركيين للتحرر من الإغلاقات التي فرضها فيروس كورونا المستجد على مدى الأسابيع العشرة الماضية، أو أكثر، والاحتفال برفع القيود عن الحياة الاجتماعية خارج المنزل.
بيد أن التحدي بالنسبة للمسؤولين المحليين القلقين على صحة مواطنيهم والتواقين في الوقت نفسه إلى إعادة فتح الاقتصادات المحلية هو الرسائل المختلطة جداً التي يتلقونها من المسؤولين الفيدراليين والمسؤولين على مستوى الولايات والمقاطعات. فهذه السلطات من المفترض أن تصدر تعليمات وتوجيهات بخصوص عدد القيود التي ما زال يجب الالتزام بها حتى تفتح الشواطئ والمقاهي والمتاجر والفنادق من جديد. والواقع أن إدارة ترامب نفسها صدرت عنها رسائل متضاربة. ذلك أن خبراءها الصحيين ما فتئوا يؤكدون على أنه إذا كانت قواعد إعادة فتح الاقتصاد متراخية أكثر مما ينبغي، فإن الفيروس يمكن أن يعود من جديد. لكن بالتوازي مع ذلك، يحث الرئيس ومستشاروه الاقتصاديون الولايات على تخفيف القيود من أجل إعطاء انطلاقة للاقتصاد الراكد. كما يصدر حكام الولايات توجيهات متضاربة بناءً على تقديراتهم بخصوص نطاق انتشار الفيروس داخل المناطق التابعة لهم. وعلى سبيل المثال، فإن ولايتي كاليفورنيا ونيويورك لديهما بروتوكولات أكثر شدة وصرامة من ولايتي تكساس وجورجيا.
عواقب هذه الرسائل المتضاربة كانت واضحة في نهاية الأسبوع، إذ تجاهل العديد من المواطنين في ولايات مختلفة التوجيهات بخصوص التباعد الاجتماعي وانخرطوا في ما حذّرت السلطات الصحية من أنها سلوكيات خطيرة وغير مسؤولة. وتشمل تلك السلوكيات اكتظاظ الشواطئ والمسابح والحانات والمقاهي بأفراد لا يرتدون كمامات ولا يمارسون التباعد الاجتماعي مع الآخرين. وسيتطلب الأمر أسبوعاً أو نحوه على الأقل من أجل رؤية ما إن كان هذا السلوك قد تسبب في ارتفاعات جديدة في عدد حالات الإصابة بالفيروس، والتي ستؤدي على نحو حتمي إلى استئناف العمل بقواعد أكثر صرامة وتشدداً.
والواقع أن الخيارات بالنسبة للبلاد مخيفة وصعبة. ذلك أنه من جهة، الجميع يرغب في تقليص قواعد الإغلاق والعودة إلى العمل. لكن من جهة أخرى، ما زالت أغلبية من الأميركيين تخشى ألا يكون الفيروس قد تم احتواؤه، ومازال هناك الكثير من الشك وعدم اليقين بشأن فعالية أنظمة النقل الجماعي وشركات الطيران لتوفير نقل آمن، لاسيما أن بعض المدن، وخاصة نيويورك وشيكاغو وواشنطن العاصمة، تعتمد على خدمات القطارات والحافلات لنقل العمال من الضواحي إلى المراكز التجارية والإدارية والصحية لمدنهم. والمشاكل نفسها نجدها في معظم المدن الكبيرة مثل لندن وباريس وموسكو والقاهرة وطوكيو ونيودلهي وبكين.. حيث يكاد ينعدم خيار استخدام السيارات من أجل الذهاب إلى العمل.
ومن المحتمل أن يشهد هذا الصيف انتعاشاً في النشاط الاقتصادي في الشطر الشمالي من الكرة الأرضية، لكن توقع عودة سريعة إلى حالة ما قبل الفيروس غير ممكن الآن. ذلك أن معظم المحللين يعتقدون أن الخوف من الفيروس لن يتقلص إلى حين تطوير واختبار وإنتاج لقاح مثبت وفعال ومتاح. والخبر السار هو أن هناك جهوداً تُبذل من قبل العلماء وشركات الصيدلة على الصعيد العالمي لتطوير لقاح، وهي جهود أفرزت بعض النتائج الأولية الواعدة حتى الآن. وفي الوقت الحالي، هناك عشرة لقاحات ممكنة على الأقل في مرحلة الاختبار على عدد صغير من البشر. لكن الخطر هو أن يكون التقدم مبالغاً فيه، وأن تكون بعض الاختبارات متسرّعة أكثر مما ينبغي على نحو لا يضمن توزيعاً آمناً على عدد كبير من السكان.
إن السباق إلى اللقاح يمثّل عنصراً محورياً من سياسة إعادة فتح الاقتصاد الأميركي التي تنتهجها إدارة ترامب. وبدون أخبار سارة بخصوص الاقتصاد والجهود الرامية إلى توفير لقاح آمن، سيواجه ترامب معركة جد صعبة للفوز في إعادة الانتخاب في نوفمبر المقبل.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشونال انترست- واشنطن