الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

بعد كورونا.. هل نعمل عن بُعد ؟

بعد كورونا.. هل نعمل عن بُعد ؟
29 مايو 2020 00:02

شريف عرفة

في الفيلم الكلاسيكي «الأزمنة الحديثة» صور شارلي شابلن علاقة الموظف ببيئة العمل.. حيث يستنزف المصنع طاقته ويسلبه حياته، ويصبح مجرد ترس في آلة عملاقة لا ترحم ولا يهمها إلا الإنتاج فقط. 
ظلت هذه الصورة مسيطرة على الأذهان لفترة طويلة، إلى أن كشف العلم نموذجاً أكثر إنسانية وبراغماتية أيضاً.. إذ وجدت العديد من الدراسات (مثل أبحاث إدوارد دينر وسونيا لوبوميرسكي ونظرية تقرير المصير) أهمية الدور التي تلعبه السعادة في أداء الموظف.. لم يعد مجرد ترس، بل ينبغي عليه أن يكون ترساً سعيداً وحراً!
هناك علاقة مثبتة بين المشاعر الإيجابية والقدرة على التفكير الإبداعي.. ففي تجارب عديدة وُجد أن الأشخاص الذين تم تعريضهم لمؤثر إيجابي (مشاهدة فيديو كوميدي مثلاً) يستطيعون إيجاد حلول إبداعية أكثر من الذين كانوا يشعرون بالضيق.. وهذه الحقيقة أدركتها شركات -مثل جوجل- التي تحرص على توفير الرفاهية لموظفيها، كنوع من تنشيط قدرات الابتكار لديهم.. بل وتطبيق نظام ساعات العمل المرنة وإمكانية العمل من المنزل لأن إنهاكهم دون داع -بأمور مثل البقاء في العمل لساعات طويلة تتجاوز الإنتاج المطلوب منهم- قد يأتي بنتيجة عكسية على المدى الطويل.
في دراسة لباحثين في جامعة ستانفورد، وجدوا أن العمل من المنزل مفيد للشركة.. فحسب تجربة أجرتها الشركة الصينية سي تريب، والتي نشرت في دورية «كوارترلي جورنال أوف إيكونوميكس» وجدوا أن الموظفين المنزليين زادت إنتاجيتهم بنسبة 13%.. وقلت طلبات إجازاتهم، وتم توفير الكثير من الوقت والجهد الذي يبذله الموظف يومياً للذهاب في العمل و.. بالإضافة لتوفير آلاف الدولارات من التكاليف المكتبية والإدارية.. فهل نجبر الموظفين على العمل من المنزل؟ يبدو أن الإجابة هي لا.. فبعض الموظفين في التجربة قرروا العودة للعمل في الشركة طلباً للتواصل الاجتماعي ولكي يلاحظهم رؤساؤهم، واستراح البعض الآخر للعمل في المنزل لطبيعتهم الشخصية الانطوائية مثلاً.. وهو ما يعني أن أفضل صيغة ممكنة، هي فتح باب التفضيل الشخصي، لأن الحرية النسبية للموظف في تأدية عمله بالطريقة التي يراها مناسبة، تساعد في زيادة جودة إنتاجه وتفانيه في العمل (حسب نظرية تقرير المصير).
يحتاج المبدع إلى مدخلات inputs كي يستطيع أن يبدع.. ولكل مبدع عاداته التي تلهمه والتي قد لا يكون من بينها الجلوس على مكتب لثماني ساعات.. كان تشرشل وجورج أورويل ومارك توين يحبون الكتابة على السرير.. وكان تشارلز ديكينز يفكر في رواياته متسكعاً في الشوارع.. ونجيب محفوظ كان يستلهم رواياته في المقاهي، وكان بلزاك ود. أحمد خالد توفيق يفضلان الكتابة بعد منتصف الليل.. أحضر هؤلاء، وأجبرهم على الجلوس على مكتب من الثامنة للسادسة.. وراقب حماسهم وهو ينطفئ وإبداعهم وهو يذوي أمامك!
من المدهش أن كثيراً من الشركات لا زالت مستعدة للتضحية بمكاسبها المالية وإنتاجية موظفيها، في سبيل الالتزام باللوائح وساعات العمل، حتى لو كانت طبيعة عمل الموظف لا تستدعي التواجد في العمل أصلاً.. ولذلك ينبغي الانتباه إلى أن إنهاك الموظفين نفسياً دون داع، هو نوع من حرق الأصول الفكرية للشركة.. أو كما يصفه ستيفن كوفي، بأنه ذبح للإوزة التي تبيض لك ذهباً!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©