لا تتوقف أوروبا عن تصدير الصور الدالة على رقيها، على إنسانيتها، وعلى استماتتها في الدفاع عن القيم الجميلة التي من أجلها نشأت كرة القدم، وحجزت لها مكاناً أزلياً في القلوب، فما نراه في مشهدها الكروي من صراع ضارٍ بين المصالح، وما نقف عليه من اقتتال صارخ لا هوادة فيه بين «الديناصورات» المالية، لا يلغي أبداً ذاك الوجه الملائكي الذي ينتصر للقيم الأخلاقية والإنسانية، فلا ينازعها في النفاذ إلى عمق المشهد، شيء آخر مهما غلا ثمنه.
لم يدر نادي أياكس الهولندي، ما يفعله برحيل نجمه المغربي وفنانه حكيم زياش، وهو يوشك على الرحيل صوب إنجلترا، منضماً لنادي تشيلسي، وليكون ضلعاً في ثالوث الإبداع العربي في البريميرليج، فقد احتاج أياكس مهد العبقرية الكروية، طبقاً للأصول و«الإيتكيت» لأن يقول لزياش شكراً على ما منحه للنادي في الأربع سنوات التي قضاها معه، كان بوده أن يشرك الآلاف من المناصرين لتقديم تحية الوداع للمايسترو في «أرينا يوهان كرويف»، تحية تليق بمن كان ملهماً ومبدعاً وصانعاً للملاحم، إلا أن ذلك استحال وجائحة كورونا توصد مسرح الأحلام بأمستردام، وبعدها يقرر الاتحاد الهولندي إيقاف الدوري بشكل نهائي.
ولأن السمو في التفكير والرقي في المعاملة لا يعدم حلولاً هي من جنس العبقرية، فإن إدارة أياكس استدعت حكيم زياش للحضور إلى ما يشبه قلعة الأحلام التي تنفس فيها عبقه، إلى مسرح توشينسكي بأمستردام، ودعته لأن يختار مقعداً بملعب الاحتفالية، ليتفرج على ما شكل له لحظة مؤثرة، تجيش بكثير من العواطف، إلى الحد الذي أدخله في نوبة من البكاء، فيلم توثيقي بحبكة درامية، اختصر رحلة الشهد والدموع لهذا الفتى الذي نشأ يتيم الأب، جاب به دروب المعاناة والألم والحلم، ومع كل رسالة حب من زملائه اللاعبين كانت حنايا قلب زياش تتقطع، إلى أن سمع صوت أمه يحدث شبه فرقعة في ضلوعه، لقد استمع إليها تقول له: «أنا سعيدة حقاً يا بني بأنك ذاهب إلى لندن. ابذل قصارى جهدك، كن حذراً وتصرف مثل رجل نبيل. أحبك وأنا فخورة بك. حظاً سعيداً يا بني في لندن»، رسالة عزفت بقوة على وتر القلب، فاستسلم زياش لنوبة بكاء، لم يفق منها إلا وهو يقول: «أعرف مدى فخرها بابنها، فهي كل شيء في حياتي، لم تغادر مخيلتي صورة أبي، وهو يلفظ آخر أنفاسه وأنا في سن العاشرة من عمري، ولم يغادر مخيلتي مقدار التضحيات التي بذلتها تلك المرأة العظيمة من أجلي ومن أجل إخوتي، أنا مدين لها بكل شيء». 
هذه هي كرة القدم كما يفهمونها هناك، أموال وأعمال واستثمارات، ولكن لا شيء من ذلك يحجب شمس العواطف والقيم.