السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سفينة المعرفة بين ضفتي الورق والشاشة

سفينة المعرفة بين ضفتي الورق والشاشة
27 مايو 2020 00:06

غالية خوجة (دبي)

منذ عرف الإنسان الكتابة والقراءة، وهو يبتكر أدواته المناسبة التي تحولت من الرقُم الطينية وأوراق البُردى إلى الورق المعاصر، ثم تحولت إلى شاشات مختلفة بين الحواسيب والهواتف والوسائل الأخرى. 
ومع وسائل القراءة المتنوعة، يتمتع القارئ بحرية تثقيف ذاته وأسرته، لكن يظل السؤال مطروحاً.. أيهما أفضل.. الكتاب الورقي أم الكتاب الرقمي بمختلف تجلياته؟ 
آراء المشاركين في هذا التحقيق جمعتها نقطة جوهرية، هي أن القراءة متعة ملهمة.. أياً كان مصدرها، سواء كانت عبر كتاب ورقي أو شاشة ذكية. 
بدايةًَ، يقول راشد الكوس، المدير التنفيذي لجمعية الناشرين الإماراتيين: «على الرغم من الجدل الدائر، حول التهديد الذي يتعرض له الكتاب الورقي، وسط انتشار الكتاب الإلكتروني، إلّا أن للكتاب الورقي خصوصيته الكفيلة بالحفاظ عليه، فهو ركنٌ ثابت في مكتبة كل بيت إماراتي وعربي، وترتبط به طقوسٌ وتقاليدٌ، تجعله يتفوّق على الإلكتروني. بالتأكيد، الكتاب الإلكتروني ينتشر ويتوسّع بسرعة، لكننا نستطيع كصناعٍ وناشرين للكتاب الورقي مواكبة أي تطورات وتغيرات، بحيث يبقى الكتاب الورقي حالةً أصيلةً لا تتلاشى مع الزمن».
ويتابع الكوس: «نحن منحازون للمعرفة بمختلف مصادرها سواء كانت ورقية أو رقمية، لكن يبقى الكتاب الورقي إرثاً إنسانياً تاريخياً، وهذا ما يجعل من الحفاظ عليه مسؤولية الجميع»، مؤكداً أن المسؤولية الأكبر في حماية الكتاب الورقي تقع على عاتق الناشرين، والمطلوب هنا الارتقاء الدائم بجودته، ووضع معايير عالية لاختيار المواد المنشورة والبحث عن آليات تجعله متاحاً للجميع، وهذا ما تعمل على ترسيخه جمعية الناشرين الإماراتيين. 

الكتاب ملهم والشاشة شك 
وتؤكد الكاتبة لولوة المنصوري، أن الورق كائن حيّ، ملهم، ذو تنفّس خاص، يتخاطر معنا، يسترسل ويرسل الأفكار اللازمة لكتابتها على هامش الصفحة المقروءة، أُمجِّد القراءة ورقياً، وتتعبني القراءة الإلكترونية، أصفها بالقراءة الجافة. 
وتابعت: لكن لا ضير بالاستعانة ببعض الأعمال الإلكترونية، التي باتت نادرة في سوق الكتب، ولا شك في أن التكنولوجيا هي الجمع في عين الفرق، تسهم بشكل عظيم عبر شاشة صغيرة، في تسهيل وصولنا إلى درب جامع للمعلومات والأخبار، بلغات مختلفة، وبعرض بانورامي تفاعلي لافت وبرّاق ومبتكر.
وأردفت: في هذا السياق يحضر في الذهن نوع من السرد المعاصر بدأ يتنامى الآن، أطلقوا عليه الرواية التفاعلية، ذلك البحر الرقميّ، الوليد الجديد القادم من الزمن السائل والحضارة السريعة، طفل «السوشيال ميديا» الذي يتشارك في تربيته أشخاص لا عدّ لهم ولا حصر، بحر تنبثق منه تجليات الجدل والشك المنهجي، الشك بدءاً بالمصطلحات المتوالدة مع السنوات، وانتهاءً بالمضمون الواقع في فخ الانفتاح والانبهار بعلامات الإعجاب المباشرة على صفحات النصوص التي يرتادها المجهول والمعلوم من البشر، والتي تؤدي بلا شك إلى القلق والتوجس من الآخر، الذي يبرز قريباً بتفاعله الافتراضي، وبعيداً في حقيقته وهويته ومدى تعالق وعيه بالأفكار العميقة والخبرة الأدبية والفنية، حتى يتم التخويل له بتوجيه دفّة التفاعل والتصحيح والانتقاد في فضاء هو الآخر محكوماً بالافتراض العائم. ويبرز القلق هنا، على المضمون من التسطيح والسرعة في الإنجاز دون إلمام باللغة الأدبية الرصينة وبشروط الكتابة المتأنية وبجدوى التعب والاستمتاع بالحالة الارتقائية والاستشفائية التي ينخرط فيها الكاتب بشكل طقوسي. لا أتصور شخصياً أن أقرأ رواية إلكترونية، بروابط تشعبية تفاجئني بين اللحظة والأخرى لتقودني بأسلوب جامد وجاف عبر مسار تصفحي إلكتروني إلى تفسير اللفظة أو مبررات الحدث أو الجملة البيانية، أتوجه من خلالها إلى حيز ضيق في التأويل والتوقع.
الورق مشاركة المخيلة
ترى الكاتبة الناشرة د. مريم الشناصي أن ما يتناسب مع الأوراق والقراءة قد لا يتناسب مع الشاشة أحياناً؛ لأن الشاشة والمؤثرات الصوتية والتصوير والإخراج عوامل تؤثر على بعض المحتوى، وقد ينسج المتلقي من خيالاته الكثير من الأحداث، بينما في القراءة الورقية وصف للأحداث والحالة والبيئة والحالة النفسية وهناك متلقون يستمتعون أكثر بالقراءة؛ لأنهم يحبون الاستمتاع بمخيلتهم أيضاً فيصبحوا مشاركين في الكتابة أيضاً. المتلقي مع الشاشة ليس مقيداً، لكنه لا يفسح لمخيلته التفاعل، ولذهنيته المناقشة، وهذا ما نجده مع الكتاب الذي يشعر الفرد بأنه متفرغ له، لصيقاً به في جو استرخائي خاص، وهدوء مناسب، فيؤجل الكثير من أعماله الأخرى ليكون شبه مقيد مع الكتاب.  
واختتمت: المتلقي هو الذي يختار أي وسيلة مناسبة للإضافة لمعلوماته وعقله وذاته ونفسه، وكيف يتعامل مع هذه القراءات في النهاية، هل يجعلها أسلوب حياة، أم يقرأها ويمضي. 

عشق بلا نهايات
قراءة من ورق أم قراءة من شاشة، كلاهما قراءة وكلاهما كتابة وكلاهما مدخل إلى بحيرة المعرفة التي قد تأخذك بعدها إلى شاطئ أو محيط، حيث تختبئ عوالم هذا الكون الواسع، هكذا بدأت الكاتبة ريم عبيدات المستشارة في الابتكار والتميز والاتصال والإعلام، وتابعت: والقضية بتعبيري البسيط ليست في أيها نقرأ، بل بماذا وكيف ولماذا نقرأ؟ وربما أسبق وأهم من كل ذلك هو ما المستقر في ذواتنا من اتجاهات ومعان حول القراءة؟ 
ورأت عبيدات أن الكتاب ملامسة للروح وحوار مع الشغف وترنيمة من القلب إلى القلب، بينما القراءة عبْر الأجهزة قد تغني عن اقتناء مكتبات بلا حصر، وبين هاتين الوسيلتين عشرات الحوارات الجادة في العالم بين التفضيلات والتجارب، وبين انعكاسات كل منها على عوالمنا وحيواتنا المختلفة. 
وأكملت: قراء الورق يبنون علاقة معمارية مع كتبهم، بدءاً من الغلاف مروراً بالتصميم والصفحات ومكان الحفظ والترتيب. علاقة طويلة تشبه رقصة الحياة، وغالباً، لديهم استقرار في علاقة العشق هذه، دون وصول لمحطة نهاية، إذ تظل النهايات تفر طالما يمر عبرها بمراحل من تركيز واستعادة، وتكتمل أفراد العائلة الورقية مع أقلام الرصاص والألوان ودفاتر الملاحظات والمذكرات؛ لأن رواد هذا الطريق يرون أن فعل القراءة الجاد يصعب أن يتجذر دون ورق وقلم وكتاب وجلوس في أوضاع عملية ومدروسة تسمح للتفكير العميق، والتركيز الجيد بالظهور والتعمق، وتفعيل عادات العقل، والرحيل إلى طقسية خارقة في فرادتها الذاتية. 
وتابعت عبيدات: بالمقابل، وفي الوقت الذي تتيح فيه الشاشة أفعالاً قرائية أخرى، ينشد محترفوها القراءة السريعة والتنوع والسهل الممتنع، والقدرة اللانهائية على الانتقال من ضفة موضوع لضفاف أخرى، مع إمكانيات التخزين والاختزال والتحرير والاسترجاع والتكبير والتصغير، والقدرة على جلب العالم بأسره عبر شاشة بحجم أصغر كف لتكبر حتى تغطية جدران الغرف الفسيحة، والتحليق بين البدائل اللانهائية بصورة مستمرة، لتصبح عادة جديدة من عادات الأبصار والتلمس والتعاطي بل عادة عقلية من نوع خاص، لها تضاريسها وكيميائها، فتعتاد النفس اللهاث، والعقل على الإسراع والعين على الطيران، في رحلة تقليب متشعبة حد اللانهائيات، مما يعطي شعوراً سالباً للهدوء والدعة والاستقرار. 
واسترسلت: وهذه السرعة، يراها بعض الاختصاصين نظيرة للعمق والتجرد والتركيز، كما ويرون نفيها عن محيط إنتاج أصيل لأفكار جديدة من بنات العمق والتجلي، إضافة إلى اعتياد اللهاث ليصبح عادة نفسية مزمنة تسبغ نفسها على الشخصية بأسرها، وتجعلها في حالة اقتباس وانتحال وتبني لأفكار قد لا ندقق في روابطها المنطقية، مضافاً إليها رحلة استسهال الاستحضار من قص ونسخ ولصق، لكن، رغم ذلك لها ميزة الإتاحة الفريدة والسرعة وسهولة التوصل والتواصل لها ما يميزها ويفرد مساحة مضيئة لها، ويجعل القراءة وبمختلف الوسائل أيقونة من أيقونات الفعل الإنساني عبر جغرافيا وتاريخ وأنثروبولوجيا الإنسان.  

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©