إذا نظرنا إلى نظرية عالِم الجغرافيا والسياسة البريطاني هالفورد جون ماكندر والتي قام بتطويرها الأميركي نيكولاس سبيكمان، والذي قال إن من يسيطر على دول حوض البحر المتوسط، وامتداداتها في آسيا وبخاصة منطقة الخليج العربي، فإنه يسيطر على أوراسيا «أوروبا وآسيا»، وبالتالي يحكم مصائر أغلب دول العالم. ولأن منطقة الخليج العربي تقع في قلب العالم بين القارتين الآسيوية والأفريقية في الشرق وبين القارة الأوروبية في الغرب، فإن أمن الخليج العربي كان ومازال محط اهتمام إقليمي ودولي، باعتبار هذه المنطقة ممراً بحرياً طبيعياً وشرياناً اقتصادياً عبر التاريخ، قادر على نقل التكنولوجيا في مرحلة ما بعد النفط.
على الرغم من صعوبة تنويع العلاقات مع القوى العظمى، فإن الإمارات والسعودية نجحتا في قيادة نظام إقليمي أكثر استقراراً على الرغم من طموحات الخلافة العثمانية أو التمدد الفارسي. كما أن نهج تنويع العلاقات مع القوى العظمى أدى إلى توازن جيوسياسي مكّن السعودية من عقد صفقات دفاعية غير مسبوقة. إن الموقف الخليجي تعاظم دوره في زمن كورونا كمركز ثقل عالمي بعد ترؤس السعودية مجموعة العشرين، واستضافة الإمارات اجتماع رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي «أيورا» لبحث سبل مكافحة الجائحة، وذلك في ظل غياب تنسيق الاستجابة العالمية.
وفي تصوري، لا توجد دولة كبرى مهما بلغت قوتها، قادرة على الاكتفاء ذاتياً، ومن الطبيعي ألا تتمكن الولايات المتحدة أو روسيا الاتحادية أو الصين من الاستجابة بمفردها ومساعدة كل العالم، فالتعاون هو السبيل الوحيد لقيادة العالم أثناء الأزمات الحادة، حيث لا تقتصر تداعيات الجائحة على قوة عظمى دون الأخرى، فالكل متضرر بنسب متفاوتة، كما أن الصين تضررت كثيراً، ورغم ذلك قامت بتقديم مساعداتها الخارجية للبلدان المتضررة. بكين حريصة على حماية صورتها، خاصة أن فيروس الجائحة ظهر عندها في البداية.
أيدت دول العالم الولايات المتحدة الأميركية، إجراء تحقيق مستقل عن أسباب ظهور الجائحة من الصين.
الجائحة ليست كافية في إعادة ترتيب العلاقات الدولية للخليج العربي، التي لطالما سعت إلى بناء قدراتها الوطنية في المجالات العسكرية والاقتصادية والذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني. ويسهل التكهن بأن أولويات دول الخليج العربي ستتجه إلى تعزيز أمنها الصحي والغذائي، مقارنة مع القوى الإقليمية التي ستعقد صفقات أسلحة مع الصين وروسيا، وهي القوى نفسها التي تسعى إلى شق الصف الخليجي.
البوصلة الخليجية ستشير إلى تنويع العلاقات الدبلوماسية أسوةً بالاتحاد الأوروبي، لأن مصلحتها الدائمة في الاتزان والاستفادة من الفرص الناتجة عن تنافس القوى العظمى، حيث تمتلك الإمارات والسعودية وزناً تفاوضياً أكبر في تحقيق التوازن بين مصالحهما القصيرة والبعيدة دون الاختيار بالانضمام إلى مواقف دولة عظمى دون أخرى. فالسعودية مثلاً، استطاعت إعادة روسيا إلى التفاوض والاتفاق على خفض إنتاج النفط لمواجهة تداعيات كورونا، وذلك بعد رفع أرامكو إنتاجها النفطي. أما الإمارات، وطن الأخوة الإنسانية، فتمتلك ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم، وقدمت مساعدات طبية وغذائية لأكثر من 50 دولة. 
*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية.