وجدت دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة، في مداخلة له عن بُعد، إلى «الابتعاد عن الإسراف والتبذير واعتماد الترشيد»، صدى كبيراً لدى أفراد المجتمع الذين يعتزون بهذه التوجيهات، ويتفاعلون معها، لكونها تخدم أفراد المجتمع وتراعي المصلحة العامة. فقد دعا سموه إلى ترشيد الاستهلاك، وعدم الإسراف، مبيِّناً أهمية تعزيز ذلك ثقافياً وتوعوياً. وأكد سموه، حفظه الله، أهمية تعزيز سلوكيات الترشيد الحميدة عن طريق التوعية والتثقيف، سواء من خلال الأسرة أو المدرسة، أو وسائل الإعلام، أو منابر التوجيه المتنوعة. وسبق لسموه أن أطلق نموذجاً حياً تمثل في حضوره عرساً جماعياً في فترة المساء دون تقديم عشاء، توفيراً للمال والوقت، وحفظاً للنعمة، ومنذ حينه أصبح ذلك النموذج تقليداً تنهجه غالبية المجتمع.
إنها دعوة مستمدة من دروس جائحة كورونا التي يمر بها العالم، بدلالاتها الزمنية والصحية والشرعية، وما لها من تأثيرات وتفاعلات في المجتمع، حيث يتباعد الزمن وتمضي أحداث الجائحة التي تحتوي العالم كله وتشكل هاجسه اليومي، لما لها من تداعيات على المجتمعات والدول. ومن حيث الدلالة الاستراتيجية، كان تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على ضمان الغذاء والدواء تحت أي ظروف، للمواطنين والمقيمين على حد سواء، رسالة طمأنت الجميع، لذلك لم نشاهد أي مظاهر للتزاحم على منافذ البيع، عكس ما حدث ويحدث في العديد من دول العالم. وتأتي دعوة سموه الحالية، انطلاقاً من حرصه على أبنائه وإخوته، وانسجاماً مع مسؤوليته المجتمعية والوطنية في تصويب وتقويم ما يراه. ذلك أن بعض الممارسات الفردية تؤثر سلباً في أحوال المجتمع، حاضراً ومستقبلاً. لأن سلوك الإسراف والتبذير، والمظاهر الشكلية التي اعتادها البعض من شراء للكماليات وتحكّمها في سلوكياتهم، وبعض العادات السلبية السائدة الأخرى.. كلها ممارسات وظوهر تتطلب وقفة اجتماعية قوية لتفكيكها، حتى لا تترسخ في المجتمع أكثر، وكي لا تتسبب في خلق مشكلات تثقل كاهل المجتمع والدولة، فتتطلب في مرحلة ما تدخلاً بمستوى هذا التوجيه الوطني الذي دعا إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
علينا أن نولي اهتماماً كبيراً لترشيد الاستهلاك، لاسيما في أوقات الأزمات كأزمة فيروس كورونا المستجد التي يعيشها العالم في وقتنا الحالي، لأن القاعدة الذهبية تقول: إن قيمة المادة تختلف من زمن لآخر، وهكذا السلوك البشري أيضاً. وكان آباؤنا الذين عملوا في البحر والأسفار، وبعد النفط، قد طُبعوا على ترشيد الاستهلاك، كان الوالد متقاعداً في السبعينيات ولا يدفع فاتورة المياه والكهرباء، لكنه يحرص على إطفاء الأنوار، ويوصينا بتقليل مياه الحنفية عند الوضوء، وغير ذلك من أوجه الترشيد.
والدلالة الشرعية لذلك التوجيه، تتجلى فيما يحثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف من التحلي بترشيد الاستهلاك، إذ نهى عن الإسراف في الأمور التي تزيد على حاجة الإنسان، كما جاء في سورة: الأنعام (الآية 141) «ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين». وقد وصف الله تعالى في كتابه الكريم المبذرين بأنهم «كانوا إخوان الشياطين».
لذلك فالإسراف والتبذير يُعدان آفةً اجتماعية ضارة بالفرد والمجتمع، اقتصادياً واجتماعياً، إذ لا يستفيد الفرد من ورائها سوى الوقوع في فخ العوز، ومن ثم الاستدانة من المصارف!
ما يُفهم من دعوة الشيخ محمد بن زايد لترشيد الاستهلاك يشمل أموراً كثيرة مثل الكهرباء والمياه والمآدب في الأعراس وحتى في خيم العزاء.. كونها مخالفة لسنة الإسلام ومبدأ حفظ النعمة. وقد عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عن ثقته الكبيرة في مجتمع الإمارات وعن تطلعه لسرعة استجابته لهذا التوجيه الوطني، قائلاً سموه: «سنرى الفارق بشكل سريع وواضح». ولنا أن نسترشد بدعوة سموه، ليتحول «ترشيد الاستهلاك» إلى مادة دراسية لتشكل عقلية أجيال المستقبل، حتى ينشؤوا متحررين من عقدة الاستهلاك الترفي الزائد، ولترتقي هذه الدعوة إلى درجة الممارسة الممتازة.