نشر معهد الشرق الأوسط الأسبوع الماضي كتابنا الجديد «العقد المضطرب». والكتاب يمثل نتائج استطلاعات مركز زغبي للخدمات البحثية على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولأن هناك دائماً أسئلة بشأن الطريقة التي نجري بها الاستطلاعات وما نجري استطلاع بشأنه وأهمية البيانات التي نجمعها، اعتقد أنه قد يكون من المفيد مناقشة هذه الأمور معكم أيها القراء.
أهديت هذا الكتاب لمئات من الباحثين الميدانيين الذين أجروا مقابلات مع عشرات الآلاف من الأشخاص الذين جرى انتقائهم عشوائياً وأنفقوا بعض الوقت للرد على الأسئلة التي تُطرح عليهم. ولولاهم لما سمعنا صوت الجماهير أو علمنا عنهم شيئاً. ونحن نجري استطلاعات الرأي عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأكثر من عقدين في مسعى للحصول على فهم أفضل للطريقة التي ترى بها شعوب المنطقة نفسها ووجهة نظرهم عن الدول الأخرى وتأثير السياسات التي تتبعها هذه البلدان على حياتهم. ونحن نجري استطلاعات الرأي لأننا نعتقد أن رأي الجمهور مهم ونريد أصواتهم أن تُسمع.
وسرنا أن الحكومات ومراكز البحث والمنافذ الإعلامية وكبار أصحاب الأعمال عبر المنطقة اعترفوا بقيمة هذا العمل، وطلبوا مساعدتنا في قياس توجهات الجمهور في طائفة مهمة من القضايا تراوحت بين توافر وسائل المواصلات والرعاية الصحية والتعليم العام والرضا عن مؤسسات الحكومة وخدماتها والثقة في المؤسسات الدينية.
وتفتح استطلاعات الرأي نافذة تسمح لنا بسماع ما يقوله الناس. وبعد أن نسمع، فإن ما نتعلمه مهم لفهمنا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أصبحنا ندرك أنه كما أن كل الأميركيين ليسوا أصحاب عقلية واحدة حين يتعلق الأمر بقضايا مثل عقوبة الإعدام والهجرة وحق الإجهاض، فإن العرب والإيرانيين والأتراك لديهم آراء متعارضة وأحيانا متصارعة داخلياً بشأن القضايا الحيوية التي تواجه بلادهم أو مناطقهم. وكل هذا يجب أن يضعه في الاعتبار صناع السياسة والمحللون الذين يتبعون أحيانا سياسات معينة في الشرق الأوسط أو يعلقون على التطورات الإقليمية دون فهم وجهات نظر شعوب المنطقة. والأمثلة على سوء الفهم كثيرة.

ففي أعقاب إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو في الآونة الأخيرة، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً طويلاً جاء فيه أنه بفوز نتنياهو «فقد الفلسطينيون الأمل» في تحقيق حلمهم في إقامة دولة مستقلة. والواقع أن استطلاعاتنا للرأي أظهرت أن معظم الفلسطينيين فقدوا الأمل منذ فترة طويلة. ثم هناك مزاعم تتكرر دوماً وتدّعي أن ميول الإيرانيين أكثر تأييداً للولايات المتحدة من بعض حلفاء أميركا العرب. وأكد كل من المشرعين الليبراليين والمحافظين الأميركيين على هذا في أوقات مختلفة كي يبرروا مناهج السياسة المختلفة بشدة في التعامل مع إيران. إلا أن استطلاعاتنا للرأي توضح أن هذا ليس صحيحاً ببساطة. ويمكننا أن نضيف إلى هذا مزاعم أو افتراضات خاطئة أخرى شكلت وجهات نظر المعلقين وصناع السياسة الغربيين، وخاصة بشأن مصر أو العراق التي كانت خاطئة وبعيدة عن الرأي العام لدرجة أنه كان لها عواقب كارثية على البلدان صاحبة الشأن وعلى الغرب أيضاً.
فعلى سبيل المثال، من المهم أن نشير إلى درجة عدم رضا اللبنانيين والعراقيين عن أداء حكوماتهم وإحباطهم المتزايد من الدور الذي تلعبه إيران في بلدانهم.
وفي الدول التي أجرينا فيها استطلاعاتنا للرأي لم نستخدم إلا استطلاعات الرأي وجهاً لوجه. ووظفنا باحثين ميدانيين ودربناهم على المنهجية التي نستخدمها لضمان أن استطلاعاتنا للرأي تتضمن عينة ممثلة للرأي تعكس النطاق الكامل للتركيبة السكانية مثل النوع والعمر والتعليم والمنطقة والدين في كل بلد. وحددنا أيضاً لفرقنا الميدانية عملية الاختيار المتبعة في إجراء المقابلات. واستطعنا في النهاية رصد التوجهات ليس فقط في كل دولة ككل، لكن أيضاً التفاوتات، إن وجدت، وسط الجماعات السكانية المختلفة.
وبالإضافة إلى استطلاعات الرأي متعددة الموضوعات، استطعنا أيضاً إجراء استطلاع رأي متخصص يركز على موضوع واحد في مصر وتونس وإيران وإسرائيل/فلسطين وأيضاً على عمليات مسح للتوجهات المتطورة في المنطقة تجاه إيران والولايات المتحدة والأطراف الإقليمية والدولية الأخرى وجودة الحياة في بلدانهم والدور الذي يلعبه الدين في حياتهم.
والناتج عن هذا الكم من البيانات يرسم صورة شيقة لمنطقة تمر بلحظة تحول. ونتائج هذا الاضطراب ليس واضحاً بعد، لكنه يمكننا إلى حد من فهم توجه المنطقة من خلا فهم التوجهات المتطورة لشعوبها. وفحص البيانات يكشف عن تطلعات هذه الشعوب ومخاوفها وما يعتنقونه وما يرفضونه وثقتهم أو عدمها في المؤسسات التي تشكل حياتهم. وأخيرا يقال عادة أن استطلاعات الرأي تقدم لقطة خاطفة للتوجهات في لحظة من الوقت. وفي الوقت نفسه، يصنع إجراء استطلاعات الرأي ما يمكن مشاهدته كصور متحركة تسمح لنا بمراقبة التوجهات الثابتة وتلك التي تتغير.