كان في ذاك الزمن غير البعيد، مما نعد بعد منتصف الستينيات، وفي تلك المدينة الوادعة، العيد يأتي بفرحه الذي لا ينتهي، ويصبغها بشيء من البهجة والألفة، وكثير من الود، كانت المظاهر عادية، إلا ما يرد على مدينة العين من خارجها بغية التكسب، وإسعاد الصغار، وخلق أجواء تليق بالعيد، كانت فرقة عيالة «خيرية» يدق فيها «الطبل والجاسر» في الساحة المقابلة لقصر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان «طيب الله ثراه»، وكان الرصاص يلعلع ابتهاجاً، وغي الشباب الذي يدخل الواحد منهم الميدان «إيّوول»، ومحزمه «متروس» من الرصاص، ويخرج والمحزم خال، ويكتفي الصغار أمثالنا بلقط «الجيل» أو خراطيش الرصاص الفارغة، وكان هناك رهان الفرسان على خيولهم التي يمتطونها واقفين، أمثال «مطر بن فيروز، وحميد بن دلموج».
بالقرب من ملعب البلدية، كانت تأتينا فرق راقصة وغنائية من الشمال ومن الشرق، كان «الليوا، والهبّان»، ورقصة السيف والترس، وتبقى تلك العرصة حول سينما الواحة تضج بعربات مضاءة بـ«تريج» تبيع «الزليبيا والسمبوسة والباكورا» وأكلات هندية في الغالب، وعربة يدفّها «السيد» تبيع «الشربت»، وأخرى تبيع الآيسكريم الذي كان بسيطاً، قطعة خشب مثل التي يستعملها الأطباء أو تستعملها النساء كقضاب للبراقع، مغموسة في عصير مثلج مثل «الفيمتو»، كان هناك «راشد الهندي» بقدره يبيع «النخي أو الدنجو» في صحون صغيرة، وهناك «غلوم كجل» مثله يبرز بقدر «الباجيلا»، وكان هناك «نادر» مؤجر السياكل»، كانت السينما حينها في العيد تعرض فيلمين بتذكرة واحدة، وعادة ما تكون من تلك الأفلام التي قد شاهدناها أكثر من مرة، مثل «عنتر يغزو الصحراء، وعنيترة بنت عنتر» أو يزاوجون بين فيلم عربي وآخر هندي أو إيراني.
أما في الساحة القريبة من سوق العين، بجانب البنك العثماني، فكانت تضم الغرباء من المغامرين العابرين، ومن الزُط، منهم من يلعب لعبة الحظ واليانصيب، من ورق أو علبة كرتونية مخرّمة لمربعات عليها صور مطربين وممثلين، إما تظهر فارغة أو تجد تحت صورة المطرب «طلال مداح» حبّة «شوكولاتة»، ومنهم من يقارب المقامرة، ومنهم من يقدم لعباً سحرية تسرّ أطفال ذاك الزمان، وبعضهم كان يبيع الختم الفضية وتلبيسة أسنان الذهب، والخناجر والسكاكين أو قدور النحاس «الصِفْرّ»، كان أشبه بـ«سيرك» صغير وبدائي.
في تلك الساحة سيتطوع الكثير من الأفغان، وسيؤدون رقصاتهم الرجولية التي تشبه رقصات الحرب، وقد تأخذ الحماسة بعض الجاليات فيرقصون رقصات بلدانهم، كانت فُرجة العيد تلك الساحة القريبة من السوق، وهناك أيضاً زاوية يلعب فيها الهنود كرة تشبه لعبة «المسطاع» عندنا، قد يظهر رجال أقوياء ويتنافسون على المصارعة التي تشبه المصارعة الرومانية، وربما «تزامط» الكثير على أهداف بندقية «أم سَجّبة» أو رمي السكاكين على أهداف وهمية، وحده مساء ثالث يوم العيد يسحب كل تلك الفرحة معه، فارضاً شيئاً من حزنه على انتهاء عيدنا.. أيام زمان.