في جلسة أشبه بالرومانسية وفي ساعة صمتت فيه الجدران، وكفّ العالم عن الضجيج، رفع الرجل بصره إلى السماء، وتأمّل الخيوط البيضاء وهي تطل من مفرق رأس الزوجة، فبهت الرجل، وعقد الحاجبين وهو يقرأ ما بين الخطوط، وما نفر من شعيرات بلون الثلج.
ولمحت المرأة العينين الشاخصتين في المجهول، وتلقّت الإشارة، وبلمح البصر، سحبت الوقاية السوداء الرهيفة، فتلاشت السحابة البيضاء خلف اللون الأسود الشفاف، ولكنه على الرغم من محاولات الهروب إلى الخلف، إلا أن بعض البصيص كان يتسلل من بين النسيج الخفيف، فابتسم الرجل، وتذكّر زمناً كانت فيه الخصلات تتدلى بدلال، وأنفة وتمطر جبين الفتاة الشابة، بفطرة سماوية مرعبة.
ولكن المرأة لم تخف امتعاضها من نظرات الرجل التي كانت تتسرب إلى قلبها كأنها الشهب، فتحرق عمرها، وتسرق منها اللحظات السعيدة، والتي ما كانت لتحدث لولا الحجر الوبائي، ولكنها أيقنت أنه مع كل ما جلبه الوباء من أضرار أطاحت بحضارات، وأحبطت طموحات، وحطّمت مشاعر، فهو أيضاً جلب معه ثقافة جديدة، وهي الجلوس في البيت لمدد طويلة، ولكن ربما أن للمكوث الطويل سيئاته التي لا تتمنى هذه المرأة أن ينوبها منها شيء. 
ولكن السؤال الذي طارد مخيلتها هو: ما الذي فتح عينيه على هاتين الشعرتين في الرأس، واللتين خبأتهما منذ زمن ولم يخطر له أن يتأملهما؟
اعتصر قلبها ألماً وهي تتفحص وجه الرجل الذي تحول إلى قطعة من رغيف بائت، منذ أن لاحظ تلك السحابة البيضاء، وحاولت أن تستجلي الأمر وتتأكد من مشاعر الرجل بعد اكتشافه الخطأ البيولوجي في رأسها، ولكنها لم تجرؤ على المصارحة، فعلى الأقل ليبقى ما شعرته من تغير في ملامح الرجل، مجرد إحساس غامض، وهي تود أن يبقى غامضاً، دون أن تنفتق الجرة وتسفح ما بجوفها، وبطبيعة الحال ستكون هي الخاسرة، ومهما بذلت لترتيب المشاعر، فإن الكسر سيكون عميقاً، والرجال أنانيون، وعندما تتلاطم الأمواج في صدورهم، فإنهم يتركون المركب يغرق، ويغادرونه إلى الأبد.
سهمت المرأة، ولامت وباء كورونا، وقالت: لقد أطحت بكل شيء، حتى، وإن كنا عثرنا على بعض الحسنات، إلا أنها تنقلب فوراً إلى سيئات، ولست متفائلة كثيراً، بإرغامك الأزواج على المكوث في المنازل، فإنه من وراء فعلك هذا أيضاً مآرب أسوأ مما تفعله بالمرضى، لأن الرتابة تجلب الملل، والملل يستدعي الأسئلة الفظّة، وهذه الأسئلة، تفتح جروحاً بدءاً من مفارق الرأس، حتى الأخاديد التي تملأ الوجه وباقي الجسد. فالله يرحم، ويحفظ البيوت من شر ما خلق.