في عام 2004، بث برنامج «60 دقيقة» مقطعاً حول ما أسماه «صائدي الفيروسات»، وهم العلماء الباحثون عن الحشرات التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر وتسبب الأوبئة. وقال عالم يدعى «بيتر دازاك» واصفاً قلقه من فيروس كورونا: «أكثر ما يقلقني هو أننا سنفوّت المرض الناشئ التالي الذي ينتقل من جزء لآخر على الكوكب، ويبيد الناس أثناء انتقاله».
وفي السنوات التالية، أصبح دازاك رئيساً لمنظمة «إيكو هيلث أليانز»، وهي منظمة بحثية غير ربحية تركز على الأوبئة الناشئة. وقد عملت «إيكو هيلث» مع «معهد ووهان للفيروسات» في الصين لدراسة الفيروسات التاجية في الخفافيش والتي يمكن أن تصيب البشر، ومنذ عام 2014، كانت تحصل على منحة من المعهد الوطني للصحة، حتى تم قطع التمويل عنها فجأة قبل أسبوعين.
وذكر برنامج 60 دقيقة مساء الأحد الماضي أن السبب هو نظرية مؤامرة نشرها النائب «مات جايتس» (جمهوري عن فلوريدا)، كان يرتدي قناعاً غازياً وهو في مجلس النواب للسخرية من القلق بشأن فيروس كورونا. وفي 14 أبريل، ظهر جايتس في قناة «فوكس نيوز» وزعم أن منحة المعاهد الوطنية للصحة ذهبت إلى معهد ووهان الذي ألمح جايتز إلى أنه ربما كان مصدر الفيروس.
وكان أول ادعاءات جايتس خاطئاً تماماً، والثاني بعيد الاحتمال. وبحسب ما ورد، لم تعثر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على أي دليل على وجود صلة بين الفيروس ومختبر ووهان. لكن في إحاطة إخبارية في البيت الأبيض بعد بضعة أيام، قالت مراسلة من موقع «نيوزماكس» اليميني للرئيس دونالد ترامب إنه أثناء رئاسة باراك أوباما، منحت المعاهد الوطنية للصحة مختبر ووهان منحة قدرها 3.7 مليون دولار. وتساءلت: «لماذا تعطي الولايات المتحدة منحة كهذه للصين؟».
وفي الواقع، فقد جددت إدارة ترامب مؤخراً منحة إيكو هيلث، لكن لا يبدو أن ترامب يعلم ذلك. وتساءل: «هل منحتهم إدارة أوباما منحة قدرها 3.7 مليون دولار؟ سنمنع هذه المنحة بسرعة كبيرة». وهذا ما حدث. لكن قطع المنحة وجه ضربة للجهود المبذولة لإيجاد علاجات ولقاحات لفيروس كورونا. ومؤخراً تم اختبار عقار «ريمديسيفير» المضاد للفيروسات، والذي بدا واعداً بعض الشيء في علاج مرضى «كوفيد-19»، ضد فيروسات الخفافيش التي اكتشفها إيكو هيلث. والآن تواجه المنظمة البحثية خفضاً في أعداد العاملين.
هذه الضربة السياسية الموجهة لعمل «دازاك» ليست الوحيدة التي أدى فيها احتقار إدارة ترامب للعلم إلى تقويض استجابة أميركا لفيروس كورونا. وكراهية المحافظين للعلم ليست جديدة، ولطالما أنكر الجمهوريون الإجماع العلمي حول قضايا من نظرية النشوء إلى أبحاث الخلايا الجذعية إلى التغير المناخي. وهذا العداء له أسباب عديدة، منها عدم الثقة الشعبوية في الخبراء، والرفض الديني للمعلومات التي تقوض حرفية بعض المعتقدات.
لكن الأمر ازداد في ظل رئاسة ترامب، مع اندفاعه لمعارضة أي حقائق، بدءاً من الأعداد التي حضرت حفل تنصيبه إلى مسارات الأعاصير.
وحتى وقت قريب، بدا وكأن إعاقة ترامب لجهود مكافحة تغير المناخ ستكون الإرث الأكثر تدميراً لموقفه من العلم. لكن فيروس كورونا فرض حالة طوارئ لا يمكن سوى للعلم السليم حلها. وهذا يعني أن ازدراء إدارة ترامب للخبرة قد أصبح تهديداً مباشراً.
وقبل أشهر من بدء هذا الوباء، أفادت «رويترز» بأن إدارة ترامب ألغت وظيفة اختصاصي الأوبئة الذي يعمل لصالح مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الصين للمساعدة في الكشف عن تفشي الأمراض الناشئة. ومع تفشي الوباء، فصلت الإدارة «ريك برايت»، أحد أبرز الخبراء الأميركيين في مجال تطوير اللقاحات، من الوكالة التي تشرف على جهود تطوير لقاح مضاد للفيروس. وفي الأسبوع الماضي، قدم برايت شكوى مفادها أنه عانى من الانتقام لأنه قاوم «تمويل عقاقير يحتمل أن تكون خطيرة».
وذكرت وكالة «الاسوشيتيد برس» كيف أخفى البيت الأبيض توجيهاً من مركز السيطرة على الأمراض بشأن كيفية إعادة فتح المجتمعات بأمان. والآن يحث الرئيس الأميركيين على العودة إلى العمل حتى عندما أثبت البيت الأبيض عدم قدرته على إبعاد الفيروس.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»