برغم أن الظروف التي تفرضها جائحة كورونا، والتي قلصت النشاط البشري بشكل عام وفي مختلف المجالات إلى حدوده الدنيا، حيث تعطلت مشاريع وتم تأجيل أخرى، فإن العمل الإنساني في دولة الإمارات وذراعه الأساسية، ممثلة في هيئة الهلال الأحمر، كانت له رؤية مختلفة تماماً عن هذا الواقع، هي تكثيف المشاريع الخيرية وزيادة المساعدات والتوسع فيها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبما يتيح مساندة العائلات والأسر والشرائح الضعيفة في المجتمعات المستهدفة على مواجهة ظروف الحياة، ويساهم في تأمين مستلزمات العيش الكريم لها.
لا تمر فرصة أو مناسبة للعمل الخيري، إلا وتكون الهيئة حاضرة بمبادراتها المتنوعة التي تشمل مختلف مجالات الحياة، وتحرص على تغطية جميع الاحتياجات الإنسانية للأسر المشمولة لتدخل السعادة والفرح إلى قلوب كل الشرائح، من دون استثناء، وليصل عطاؤها إلى الصغير قبل الكبير، ذلك أنها تقوم بالأساس على شعار «العناية بالحياة» وهو شعار شامل جامع لكل قيم الخير ومعاني العطاء التي تؤكد نبل الفكرة وسموّ المقصد وشمولية الأهداف والمستهدفين.
عندما ضاقت الظروف على أسر وعائلات وأشخاص تقطعت بهم السبل نتيجة الظروف التي نتجت عن تداعيات الوباء العالمي، سارعت الهيئة وبتوجيهات من رئيسها سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، إلى الاستجابة وتكفلت بتوفير كل متطلبات الحياة للعالقين بالدولة من جميع الجنسيات، في مبادرة حمل عنوانها أرقى معاني التكافل والتراحم وأرفع القيم الإنسانية، عندما خاطب المستهدفين بعبارة «أنتو بين أهلكم» التي تدخل بلا شك الراحة والطمأنينة والسكينة في القلوب، وتطرد من نفس الإنسان الوحشة والخوف والشعور بالغربة، وتجسّد نهجاً ما حادت عنه إمارات الخير منذ تأسيسها، حتى بات جزءاً من هويتها وسمة تلازمها وتكسبها محبة واحترام العالم وتقديره.
لا تخلو ساحة يحتاج فيها الإنسان إلى العون لمواجهة العوز والفقر والحرمان وطرد شبح الجوع والمرض والفاقة، إلا وتكون للهلال الأحمر الإماراتي بصمة فيها تداوي جرحاً وتغيث ملهوفاً وتلبي نداء وتعين على نائبة دهر، وهي بذلك تتجاوز حدود الزمان والمكان وتصنع علامة فارقة وحالة متفردة في إرث العطاء الإنساني، وتجعل من دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة الخيرة وشعبها المحب للإنسانية، مدرسة خالدة في البذل وبسط اليد بالخير لأبناء البشرية على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم وألوانهم.
في اليمن ساحة أخرى لعطاء الهلال الأحمر الإماراتي الذي يكثف جهوده، برغم ظروف الحرب وصعوبة التضاريس ومستجدات الأمراض، لإيصال المساعدات الإغاثية إلى الأسر اليمنية المتضررة والمحتاجة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تمر بها البلاد، حيث تسيّر بشكل شبه يومي قوافل المعونات الغذائية إلى محافظات البلاد وإلى المديريات التابعة لها في كل مكان وموقع يمكنها الوصول إليه أو يبلغها احتياج أهله إلى وقفة شقيق أو نخوة صديق، لا غاية لها ولا مقصد سوى مساعدة الأشقاء والتخفيف عن الأسر المتضررة التي تأثرت بشكل مباشر من توقف العمل، أو منع التجوال الذي يطبق هناك للحد من انتشار مرض «كوفيد-19».
وفي رمضان والعيد ولتكتمل فرحة أبناء الشعب اليمني الشقيق بالمناسبتين العظيمتين، تواصل الهيئة مشروعها لتوزيع كسوة العيد على أسر الشهداء لتدخل الفرحة والسرور والبهجة على قلوب أطفال فقدوا آباءهم وعلى أسر غاب عنها المعيل، ولتؤكد لهم أن هناك من يهتم بهم ويتابع شؤونهم ويحرص على مشاركتهم الفرحة، وأن يد الخير الإماراتية ستظل على الدوام ممدودة لهم بالمودة ولن تتأخر يوماً عن تلبية نداء الأخوّة والإنسانية مهما تغيرت الظروف ومهما تعاظمت الصعوبات.
هو نهج ممتد من جيل إلى جيل سارت عليه الهلال الأحمر، قائم بالدرجة الأولى على احترام إنسانية الإنسان وتكريمه والوقوف إلى جانبه حين تلّم به النوائب، دأبه إغاثة الملهوف ومساعدة الضعيف بصرف النظر عن اللون أو العرق أو المعتقد، عملاً بقول الله تعالى «ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً».

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.