ربما لم تسمع بفاتح بورتكال أو دلرفيسون روخاس، ولكنهما وغيرهما أمثلة حية لكيف أخذ وباء كوفيد 19 يحوّل أسئلة فلسفية قديمة إلى مواضيع لها علاقة بالحياة الواقعية حول العالم. أحدثها: طبيعة الحرية في عهد فيروس كورونا.
دول مختلفة تواجه هذا الأمر بطرق مختلفة. وحتى بعض الديمقراطيات، مثل الولايات المتحدة، تكافح من أجل الوصول لجواب – نقاش مهم لأنه يمكن أن يؤثر على الحياة السياسية طويلاً بعد أن ينتهي الوباء. ولكن بالنسبة للمذيع التركي فاتح بورتكال وآخرين، من آسيا وأفريقيا إلى أوروبا وأميركا اللاتينية، تبدو النتيجة واضحة منذ مدة، والصورة أكثر وضوحاً.
إنهم صحافيون يعملون لحساب صحف ومؤسسات إعلامية معروفة، أو صحافيون مواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي. يعيشون ويعملون في ديمقراطيات هشة أو تحت أنظمة تعاني فيها الحريات الأساسية -مثل حرية التعبير وحرية المعلومات وحرية الضمير- وحكم القانون من أوضاع هشة. ومنذ ظهور الوباء، أصبح واضحاً أن القيود على كل هذه الجبهات آخذة في التشدد.
في الدول غير الديمقراطية، ولكن أيضاً في الدول الديمقراطية، جعل وجودُ حالة طوارئ صحية عامة من بعض القيود -على التجمعات العامة، مثلاً- أمراً لا مفر منه تقريباً. وحتى في الديمقراطيات، هناك حاجة لإقامة بعض التوازنات المرتبطة بفيروس كورونا، كما اكتشف «أوين أوكارول» زميلي في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» قبل أيام عندما بحث دور مراقبة الهواتف الذكية.
غير أن المعركة الرئيسية لبورتكال وصحافيين آخرين لا تتعلق بمثل هذه المقايضات، بل تتعلق فقط بجهود توفير معلومات موثوقة بخصوص الفيروس، وبخصوص فشل الإشراف والمراقبة في أعمال حكوماتهم للحد من انتشاره.
بورتكال يعمل في تركيا التي بات لديها، في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، صحافيون كثر في السجن . وكان أردوغان قد أوضح جوابه على سؤال «الحقوق في مقابل حالة الطوارئ» في مارس الماضي، إذ أعلنت الحكومة اعتزامها الإفراج عن عدد كبير من السجناء لأسباب صحية، واستثنت من ذلك كل الصحافيين المسجونين. والشهر الماضي، اعتقلت الشرطة بورتكال -مقدم الأخبار في قناة «فوكس تي في» في تركيا- بعد أن أشار إلى أن زيادات في الضرائب قد تُفرض بهدف المساعدة على تمويل الرد على كوفيد- 19.
كما يواجه الصحافيون عقوبات أو قيوداً على العمل الصحافي في عشرات البلدان. وفي فنزويلا يُعد دارفيسون روخاس واحداً من نحو اثني عشر صحافياً اعتُقلوا أثناء تغطيتهم الصحافية للوباء.
وفي أوروبا، منحت حالة الطوارئ الصحية رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وما يصفها بـ«ديمقراطيته غير الليبرالية» سلطة مفتوحة لا حدود لها للحكم بوساطة مراسيم. وقبل ذلك كان أصلاً يكبح القضاء ووسائل الإعلام.
في ديمقراطيات مثل الولايات المتحدة، ليس هناك خطر قمع لحرية التعبير بسبب أزمة كوفيد- 19. غير أنه حتى في الولايات المتحدة تسبب الوباء والجدل المحيط برد الحكومة الفدرالية عليه في توتر. إذ كثّف الرئيس دونالد ترامب هجماته على التغطيات الإعلامية المنتقدة، معتبراً إياها «أخباراً كاذبة» أنتجها صحافيون «فظيعون».
كما ازداد التوتر بين حالة الطوارئ الصحية والحريات الشخصية. فقد كان أنصار ترامب في مقدمة المحتجين ضد الإغلاقات التي قررها حكام الولايات باعتبارها هجوماً على حقهم الفردي في العيش والعمل والتفاعل مع الآخرين كما يشاؤون.
*صحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»