بعد شهر من العزلة، وبعد الاحتباس الحراري الذي عانى منه الرجل، كما عانت أسرته وبالأخص الزوجة الكريمة، يفتح الرجل محفظته، ويجلس في زاوية من صالة الجلوس ويعد النقود، ويجد أن المحفظة تحتفظ بسمنة عالية الوحدة، ولم تمسها يد، ولم تطلها حمى الفريغ، يبتسم الرجل، وينظر إلى زوجته التي نفخت شدقين، واقتعدت مخدة قطنية ملتزمة الصمت، منسجمة مع أحداث مسلسل رمضاني، ثم خبأ الرجل المحفظة، وفتح دفتر الحسابات البنكية، وصار يحسب، ويضرب، ويقسم، وهو يردد أنفاساً من صدر تخفق رئتيه كجناحي طائر، كلما لاحظ الرجل أن الرقم في ازدياد، على خلاف الفترات الماضية وقبل جائحة كورونا، حيث كانت في ذلك الوقت، الأرقام تتناقص، ولا تحل نهاية الشهر حتى يبدأ الرصيد مثل بئر نشفت مياهه.
طوى الرجل دفتر الحسابات، وأسند ظهره على كتف الأريكة، ونظر إلى الزوجة التي كانت في عالم آخر، قال في سره، والله لولا هذا الوباء لما جلست هذه الجلسة، ولكنت الآن وفي مثل هذا الوقت من مساءات أبوظبي تهيمين في أحد المولات، وأنت ورفيقات الدرب، ولكن رب ضارة نافعة، فهذه الجائحة بكل ما جلبته من كوارث إلى البشر، إلا أنها أيضاً جاءت بمحسنة، أنقذت جيوب الكثيرين من أمثالي حتى صارت المحافظ ذات الجلود النحيفة، تتمتع بسمنة، تدل على رخائها الاقتصادي.
على الرغم من التغيرات الكئيبة التي أضفتها الجائحة على عادات الناس، وما جلبته لهم من ملامح على الوجوه، تشبه سواحل البحار في أوقات الجزر، كما أنها حولت المنازل إلى مقابر في بعض الأحيان، نتيجة للشعور العام، بقسوة القيد، ولكن لم يمنع الظرف القاسي من شعور الإزواج بفرحة مكتومة، كونهم أصبحوا، يملكون جيوبهم التي كانت في سابق العهد، مملوكة لغيرهم، «للزوجات».
لذلك أعتقد أن كل الأزواج، يمهدون الطريق، ليوم قريب تنفرج فيه الأمور، ويستعدون لفرار الطيور من الأقفاص، وهنا سوف يحتاجون إلى قدرات فائقة على تحمل عديد الطلبات، والتي ستكون تعويضية بالنسبة للزوجات، والأخذ بأسباب الأثر الرجعي.
أعتقد أن الآن كل زوج يفكر في حمم الفترة القادمة، وكل زوج يهيئ نفسه لما سيسمعه من نشيج يمزق القلب، وذلك من أجل تعويض ما فات، ومن أجل الانتقام من الجائحة، والثأر لزمن مر من دون رؤية البريق في واجهة المحلات الكبرى.
إذن على كل الأزواج أن يتقبلوا الأمر الواقع، إن أرادوا أن يظفروا، برفة رمش ترطب قلوبهم، وإلا عليهم تحمل جفاف مراحل ما بعد الجائحة.