أتابع التعليقات على مستوى العالم عن تعامل بلادي الكارثي مع جائجة كورونا بإجراءات محبطة ومثيرة للغضب والارتباك. فقد لاحظ معلقون من أوروبا والعالم العربي وإسرائيل، ومعلقون أميركيون أيضاً الخلل الوظيفي في السياسة، وعدم الكفاءة، وفشلنا في رعاية شعبنا وضرب نموذج للقيادة في العالم. وإليكم هنا بعض تعليقات الكتاب الذين كانوا تاريخياً من أصدقاء أميركا.
فقد جاء في كلام معلق إسرائيلي التالي:«البلاد كما لو أنها حطام قطار. أنظمتها تفشل ومستشفياتها تنهار، والمرضى يبكون طلباً للمساعدة والجثث تتراكم في مشارح ارتجالية. ونيويورك، جوهرة التاج، تحولت إلى مدينة أشباح ووادي موتى. والعاصمة غير المعلن عنها للعالم الحر لا تستطيع أن تواري خزيها. كان من الممكن أن تكون أفضل ساعات أميركا».
وجاء في تعليق آخر وارد من منطقة الخليج العربي «أذهلتني الأرقام التي تكشف تدهور اقتصاد أغنى دولة في العالم وصعود أرقام ضحايا كورونا. وهذا يدفع المرء لأن يتساءل عن السبب الذي يجعل الدولة الأغنى والأكثر تقدماً وتحضراً والأكثر استفادة من الثروة العالمية هي الدولة عينها التي يزيد فيها عدد الوفيات عن ثلث الإجمالي العالمي من ضحايا الجائحة».
والمنتقدون من أوروبا لم يكونوا أقل حدة. فقد شككوا في استيعاب الرئيس ترامب للواقع، وعبروا عن فزعهم من تصريحاته المربكة والمتناقضة في الغالب، وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة لم تعد صالحة للقيادة.
فكيف وصلنا هذه النقطة؟ نقرر في البداية أن لا ترامب ولا جائحة كورونا هما اللذان أضرا بالدولة الأميركية، وغير مسؤولين عن أفول نجم القيادة الأميركية في العالم. لقد كنا متصدعين بالفعل، وكانت قيادتنا في أفول منذ فترة طويلة، لكن ترامب وفيروس كورونا ألقيا الضوء فحسب على التصدعات في سياساتنا التي تعاني خللاً وظيفياً وعلى خسارة مكانتنا في العالم، وفاقما من هذا.
فقبل ثلاث عقود فحسب، انهار الاتحاد السوفييتي، وترك الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة. واستبشاراً بهذا الانتصار، استشرف بعض المعلقين ظهور نظام عالمي جديد في قرن أميركي جديد. ولم تستمر فرحتهم إلا عقداً واحداً قبل أن تبدأ القيادة الأميركية تتفكك. ويرجع هذا في جانب كبير منه إلى الاستجابة الكارثية لإدارة بوش على هجمات الحادي عشر من سبتمبر. فقد كانت معظم الدول مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة لمعاقبة الجناة على قتلهم الأبرياء، لكن إدارة بوش قادت البلاد إلى حربين لم تمثلا أو تؤكدا القيادة الأميركية، بل جعلت أميركا أضعف وأكثر انعزالاً من أي وقت آخر في التاريخ الحديث.
وما استنزفته الحرب من الأرواح والمال والثقة والمهابة أوجد فرصاً لدول أخرى مثل الصين وروسيا أن يؤكدا مكانتهما إقليمياً وعالمياً، ما فتح المجال للنظام الدولي الحالي متعدد الأقطاب.

ترامب توهم في بداية الأمر أن الفيروس مجرد إنفلونزا وسينتهي سريعاً. وبعد أن أصبحت الجائحة لا لبس فيها، ظهر على تويتر والمؤتمرات الصحفية اليومية ليتباهى ويضلل ويهاجم خصومه. واعتمد كما فعل دوماً على الخوف من الأجانب والغضب من الديمقراطيين والنخب ليؤكد أنه لم يخطئ قط ويشيد بقيادته. وكل هذا قد يساعد في تدعيم قادته ويجعله يشعر بأنه يفوز أمام «العدو الخفي» الذي نلحق الهزيمة به، لكن الأرقام تثبت غير هذا.

ورغم أن قاعدته مازالت منبهرة به، لكن العالم يقف مذعوراً أمام الحقيقة العارية التي مفادها أن أميركا غير قادرة على قيادة العالم ولا على حماية شعبها. وكانت أميركا في الماضي تقود مسعى دولياً للتعاون مع الدول الأخرى للعثور على علاج أو تقديم مساعدة، لكننا سحبنا مساعداتنا المالية عن الأكثر ضعفاً، ونجوب أسواق العالم لشراء عتاد الوقاية الذي فشلنا في إنتاجه وتخزينه. وفي الوقت نفسه، تتفوق معدلات الإصابة والوفيات لدينا على أي دولة أخرى. ومعدلات إجراء الاختبارات أقل بكثير من معظم الدول الأخرى. والعالم يشاهد هذا ويتحسر على التراجع المستمر لما كان ذات يوم قوة عظمى فازت بالحرب الباردة. ويتساءلون عن مدة قدرة أميركا على استعادة دورها القيادي بعد عقود من الخلل الوظيفي الحزبي العميق والتراجع.
رئيس المعهد العربي الأميركي