لا بد أننا لمسنا تغيرات مباغتة، هاجمت مشاعر الكثير من الأزواج، وبخاصة أولئك الذين ما اعتادوا المكوث في المنازل لفترات طويلة، ووباء كورونا، أبى إلا أن يفرض قوانينه، ويحكم قبضة على «طوال الشنب»، ويقول لهم: إذا كُنْتُمْ لم ترتدعوا، ولم يستطع أحد أن يوقفكم عند حدود السواء، فتعالوا إذاً، فهذا هو قراري، بأن تبقوا في البيوت إلى إشعار آخر.
ولكن الخنوع لأمر الوباء، والقبول بالأمر الواقع، كانت له تبعات نفسية تبعتها لغة جديدة، أصبحت تتفجر في بعض البيوت، وتثير غباراً، وسعاراً، ونيراناً في أغلب الأحيان، لأن الصدور أصبحت مثل القدور الكاتمة، لا تتحمل كلمة، ولا حتى همسة حتى يرتفع الغطاء، ويطفر الدخان الساخن، لتحترق الوجوه من شديد الحرارة.
القليل من الأزواج يستطيع أن يتكيف مع الظرف الراهن، ويحافظ على وعيه، بحيث إن حدث ما يستفزه، يقوم العقل على الفور بمقاومته، وطرد الهواء الساخن، والالتفات إلى المنطقة الباردة في الوعي، وبهذا يستطيع أن يهزم الغضب، بشكمه، وتبريد سعراته، ومن ثم كنسه خارج القلب، واستعادة المشاعر الزوجية الدفيئة، والاقتراب من الزوجة، بروح رياضية عالية، وبأخلاق تسمو بالروح إلى مراتب النجوم.
عندما يعي الزوج أن الضيق الذي يلازمه هو نتيجة القيد الذي فرضته الجائحة، وليس للزوجة والأبناء ضلع في ما يحدث، وعندما يميز بين ما يحدث في المحيط الخارجي، وما يطرأ في علاقته بالأسرة، يستطيع أن يخرج من شرنقة الإسقاطات، ويستطيع أن ينفذ من بؤرة العصاب القهري، الذي وقع فيه الكثيرون من دون أن يعوا، وحدث ما حدث لهم من شقاق وفراق أسري، مزق النسيج، ودمّر المشاعر، وجعل العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، كالعلاقة بين الأمواج المتلاطمة.
صحيح أن الجائحة أحدثت ورماً خطيراً في الجسم الإنساني، ولكن الأخطر منها، هو ضآلة الوعي لدى البعض، مما يجعلهم ضعفاء جداً أمام أي موقف صعب، فعندما نكون على وعي بما يحدث، نستطيع أن نتجاوز الشعاب والهضاب، ونستطيع أن نعبر من دون خسائر فادحة، تكلفنا ترابطنا الأسري.
عندما نكون على وعي بما يجري من حولنا، نستطيع أن نصعد الجبل من دون أن نصاب بجروح مثخنة، وعندما نتمتع بالوعي، نستطيع أن نحوّل العتمة إلى نور وضّاء، ونعيش حياة طبيعية في أقسى الظروف.