بينما تدخل أميركا الشهر الثالث من الإغلاق بسبب كوفيد -19، قرر كلا الحزبين أن يصبح تبادل اللوم عن عدم قدرة الولايات المتحدة على وقف انتشار الفيروس، جزءاً من قصة الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر المقبل، إذ يعتقد «الديمقراطيون» أن تعاطي إدارة ترامب مع الوباء كان كارثياً وخطيراً، هذا في حين ينحي «الجمهوريون» باللائمة على الصين التي يحمّلونها مسؤولية الكارثة، ولكن أيضاً على منظمة الصحة العالمية، وعلى وكالاتهم الصحية الوطنية بما في ذلك «مراكز السيطرة على الأمراض»، وعلى حكام الولايات التي يسيطر عليها «الديمقراطيون»، وعلى نحو متزايد، على الرئيس السابق باراك أوباما.
والواقع أنه كان من الحتمي أن تحتدم «لعبة اللوم» هذه وتتأجج في وقت بات فيه عدد الأميركيين المصابين بالفيروس يفوق 1.5 مليون حالة، وعدد الوفيات يتعدى 90 ألف شخص، هذان العددان من المنتظر أن يرتفعا خلال الأشهر المقبلة، ويُعدان الأعلى في العالم أصلاً، وتقول إدارة ترامب: إن الأعداد مرتفعة جداً لأن الولايات المتحدة تُجري الآن اختبارات على الناس أكثر من أي بلد آخر في العالم، هذا بينما يحاجج «الديمقراطيون» بأن الأعداد إنما تعكس الرد المتأخر على الوباء بسبب تقليل الرئيس ترامب من شأن تأثير الفيروس على الولايات المتحدة حتى بعد دخول شهر فبراير، أي بعد شهرين على ظهور الحالات الأولى في الصين، وسيتعين علينا انتظار تحقيق رسمي حول بدايات الفيروس، وتدبير أزمته في الولايات المتحدة، قبل أن يتسنى استخلاص أي نتائج.
غير أن ما أخذ يظهر الآن هو المرحلة الثانية من «لعبة اللوم»: ما هو الحزب السياسي الذي سيكون مؤهلاً أكثر لإدارة الفوضى المالية الفظيعة التي نجمت عن إغلاق البلاد؟ ومن سيكون الأحسن في إعادة إطلاق الاقتصاد؟ في هذا السياق، يمكن القول: إن ترامب والجمهوريين ربما يتمتعون ببعض المزايا والامتيازات لكسب دعم الناخبين المهمين في نوفمبر المقبل، والسبب له علاقة بتأثير الإغلاق على قطاعات مختلفة من المجتمع الأميركي، فهناك مجموعتان اثنتان تحمّلتا عبء الأزمة وتأثيرها السلبي على حياتهم، المجموعة الأولى تتألف من المستجيبين الأوائل وعمال الخط الأمامي الذين أبقوا على المستشفيات، ومحلات البقالة، وصناعة الأغذية، والصيدليات مفتوحة، وذلك على الرغم مما ينطوي عليه ذلك من خطر كبير على أرواحهم، أما المجموعة الثانية، فتشمل الأعداد الكبيرة من عمال «الياقات الزرقاء» الذين فقدوا وظائفهم، ولم يعودوا قادرين على دفع ثمن الاحتياجات الأساسية، مثل الإيجار وأقساط القروض المنزلية وأقساط السيارات وتكاليف الطعام والرعاية الصحية، وخلافاً للعديد من عمال «الياقات البيضاء» الذين استطاعوا الحفاظ على وظائفهم من خلال العمل من البيت عبر شبكة الإنترنت، فإن عمال «الياقات الزرقاء» ليس لديهم هذا الخيار، وهذا الأمر أدى إلى استياء متزايد تجاه السلطات المحلية وسلطات الولايات والمعلّقين السياسيين في التلفزيون، الذين يحثّون الناس على الالتزام بسياسات «البقاء في البيت» من أجل احتواء الفيروس.
ترامب والكثير من الجمهوريين شرعوا في محاولة استغلال هذا الاستياء وتوظيفه، من خلال الوقوف في صف المحتجين الذين يطالبون بتخفيف القيود على العمل والأنشطة الترفيهية، وهذه وسيلة قوية باتت متاحة الآن للرئيس الأميركي، الذي يسعى جاهداً إلى تجاهل القواعد والبروتوكولات الخاصة باحتواء الفيروس، مثل رفضه ارتداء كمامة رغم أن كل المرافقين له يرتدونها، واللافت هنا أن تحديه للسياسات التقليدية المقيّدة له شعبية واسعة بين أنصار قاعدته، ولا شك أنه سيساعده مع هؤلاء الناخبين في حال استمرت القيود حتى الصيف.
غير أن الجانب السلبي في استراتيجية الاستياء هذه، وفي انتقادات ترامب المتزايدة حول الإغلاق، هو أنه في حال رُفع بشكل مبكّر وسابق للأوان وعاد الفيروس في موجة ثانية الخريف المقبل قبيل الانتخابات، فإنه يمكن أن يحمَّل مسؤولية ذلك كله، وفضلاً عن ذلك، فإن انشغال ترامب بمهاجمة الرئيس السابق أوباما من المؤكد أن يثير عداء أصوات الأميركيين الأفارقة، ويحفّز نسبة مشاركة عالية لصالح المرشح الديمقراطي «جو بايدن». وهناك احتمال كبير أن تحسم الانتخابات من خلال الموضوع الذي يشعر الناخبون حياله بشعور قوي: إنهاء الإغلاق أو ضمان صحة مواطني البلاد، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجمهوريين يحصلون في استطلاعات الرأي على نتائج أحسن من الديمقراطيين بخصوص المواضيع الاقتصادية، لكن بالمقابل يُنظر إلى الديمقراطيين باعتبارهم أكثر دعماً لشبكات أمان اجتماعي أقوى، مثل الرعاية الصحية للجميع، وعليه، يمكن القول: إن الانتخابات المقبلة قد تُختزل في تصويت على «الثروة» في مقابل «الصحة»، وأي مجموعات الناخبين أكثر تحمساً للذهاب إلى مكاتب الاقتراع.