حين يقطع سائقٌ الإشارةَ الحمراء عمداً مسبباً وقوعَ حادث تنجم عنه خسائر بشرية، فإنه يكون في ظاهر الأمر قد انتهك قواعد السير والمرور، لكنه من تحت الجلد اقترف ما لا عقاب عليه، أعني الأنانية التي أدت به إلى الاعتقاد بأولويته في المرور على حساب الآخرين.
ويعاني العالم منذ ديسمبر الماضي فيروس كورونا المستجد، ولا يزال الخلاص منه غير مؤكد، على الأقل لا نعرف على وجه الدقة متى سيتعافى العالم، لينزل البشرُ إلى الشوارع من دون كمامات وقفازات، ولا يخشى المرء فيه على نفسه من أخيه، ولا يخشى على أخيه من نفسه.
وقيلت أسباب كثيرة في هذا البلاء غير المسبوق من حيث مدى خطورته وسهولة انتشاره، وفي اعتقادي أن هناك سبباً واحداً لما يمر به العالم، هو ظلم الإنسان لنفسه ولغيره وللمحيط من حوله. فأياً كانت الأسباب المعلن عنها رسمياً من قبل الدول ذات العلاقة بظهور الفيروس، أو الأسباب التي ترجحها بعض الأجهزة الاستخباراتية، أو أسباب الانتشار الهائل للمرض في دول دون أخرى، فإنها جمعياً تعود إلى السبب الأول.
وإذا سلّمنا بأن الفيروس انتقل للإنسان من خلال تناول حيوان الخفاش، حيث الأسواق الرطبة، كما تسمى في دول شرق آسيا، وتحديداً سوق «ووهان للمأكولات البحرية»، حيث الحيوانات الحية مكدسة في أقفاص، قردة وثعابين وقطط وكلاب وسلاحف وغيرها، وهي حيوانات تَفزع من بعضها بعضاً في الطبيعة، لكنها في هذه الأسواق عديمةِ الرحمة تعيش كأنها أسرة واحدة تنتظر الذبح، ناهيكم عن أن بعض الحيوانات المعروضة للأكل مهددة بالانقراض، ما من شأنه تدمير الطبيعة من أجل جشع بشري لامتلاك القوة التي تقول الخرافات إنها تتوفر لمن يأكل لحومها!
وهكذا فإن تعمد بعض الدول، كإيران، إخفاء حقيقة أوضاعها مع الفيروس في بداياته، أدى إلى انتشاره في باقي دول العالم بسبب حركة المسافرين، ضاربةً بعرض الحائط صحةَ البشر التي هي أغلى ما يملكونه.
ولا شيء غير الأنانية والجهل يفسّران حالة المرأة الكورية التي عُرفت بالمريضة رقم 31، فقد اضطرت للذهاب إلى المستشفى بسبب حادث مروري، ورفضت إجراء فحص الكشف عن الفيروس رغم ارتفاع حرارتها، وذهبت للمشاركة في تجمع ديني يحضره جمع غفير من البشر، وبعد أيام لم تستطع مقاومة أعراض الفيروس، وتبينت إصابتها به، وفي الأيام التالية ارتفعت حالات الإصابة بشكل كبير في بلدها، خصوصاً بين من حضروا التجمع الديني.
ويتجلى جشع الإنسان وأنانيته في وجود نحو عشرة آلاف مرض قد يصيب ستة أشخاص من كل عشرة آلاف شخص، لكنه لم يبادر إلى إيجاد علاج إلا لنحو خمسمائة مرض منها، ربما بسبب أن بقية الأمراض غير منتشرة في المجتمعات التي يمكن لأفرادها تحمل تكلفة العلاج، وما دام العلاج لا يدر أرباحاً هائلة، أو لا يصيب إلا مجتمعات بعيدة، فلا بأس ببقائها‏‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬علاج.‭