نشر معهد الشرق الأوسط، أمس 20 مايو الجاري، كتابي الجديد، وهو بعنوان «العقد المضطرب» الذي يجمع عقداً من استطلاعات الرأي العام العربي والتركي والإيراني، التي أجرتها مؤسسة زغبي للخدمات البحثية. وستتبع ذلك مناقشة للمعلومات والأفكار التي تناولها الكتاب. والعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بدأ بحدثين صادمين غيّرا أحوال الشرق الأوسط. ورغم أن بذوراً زرعت قبل سنوات، لكن عام 2011 أثبت أنه نقطة فاصلة للشعوب في المنطقة. ففي هذا العام، أسرعت الولايات المتحدة، كما وعدت، بانسحابها من العراق، لكنها تركت خلفها حقل ألغام طائفياً وداني القطوف أمام الاستغلال الإيراني. وشهد 2011 أيضاً بداية ما أصبح يعرف باسم «الربيع العربي». فبعد الانسحاب الأميركي، انزلق العراق مرة أخرى في صراع أهلي، نتيجة استياء العرب السنة، المحرومين إلى حد كبير من الحقوق، من السياسات الشقاقية التي اتبعتها حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الطائفية السابقة. وهذا وضع بذور الاستياء الذي أنبت الظاهرة التي عُرفت باسم «داعش».
وكسبت إيران، من خلال عملها مع الأحزاب السياسية الطائفية العراقية المتحالفة والميليشيات المسلحة، موطئ قدم لها في العراق الذي كان يقف رقيباً على طموحاتها الإقليمية. وبعد أن شُلت حركة العراق بسبب الصراع، تجرأت إيران أكثر لتستعرض قوتها، باتباعها قائمة أولويات إقليمية تدخلية ومزعزعة للاستقرار بالتدخل في سوريا واليمن وغيرهما. وهذا الحراك أثار الاضطراب في الخليج والشرق العربي، كما أثارت الانتفاضات الشعبية في تونس، ثم مصر، ثم سوريا، الاضطرابات في شمال أفريقيا والمشرق العربي.
ومنذ عام 2011، حصلنا على فرصة لاستطلاع الرأي العام عبر هذه المنطقة، في مسعى لفهم رؤية شعوبها لهذه الأحداث الدرامية. وكل عام، قمنا بمسح للتوجهات العربية والتركية والإيرانية لصالح «منتدى صير بني ياس» الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة. والموضوعات التي غطيناها في استطلاعاتنا السنوية للمنتدى تناولت طائفة واسعة من القضايا، تضمنت صراعات محورية إقليمية محورية في العراق وسوريا واليمن، وكيفية تعامل جيران سوريا مع أزمة اللاجئين التي تسبب فيها الصراع. وتناولت أيضاً الأطراف الداخلية والخارجية المحورية المؤثرة في الشؤون الإقليمية، مع التركيز على الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية. وركزنا أيضاً على رد فعل الجمهور العربي على «الربيع العربي»، وتأثير هذه الأحداث على توجهاته وطموحاته. وتناولنا التوجهات العربية نحو الظاهرة المثيرة للقلق بشكل متزايد والمتعلقة بجماعات الإسلام السياسي، ابتداءً بجماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية وانتهاءً بتنظيم «القاعدة». وتناولنا أيضاً التصورات المتغيرة للتهديد الذي تشكله إيران. واهتممنا كذلك بالطريقة التي ينظر بها الجمهور العربي إلى الصراع العربي الإسرائيلي المستمر.
وما تعلّمناه من استطلاعاتنا للرأي العام عبر الشرق الأوسط، أثناء هذا العقد المضطرب، هو أن الرأي العام العربي له أهمية. فالعرب يعرفون ما يريدونه وما لا يريدونه. إنهم يريدون حاجاتهم الأساسية؛ من الوظائف والتعليم والرعاية الصحية. ويريدون حكماً رشيداً وحماية لحقوقهم الشخصية. والتقاعس عن الاستجابة لهذه الحاجات المحورية أثار اضطرابات امتدت من مصر وتونس إلى اليمن وسوريا في بداية هذا العقد، وأثار القلاقل في لبنان والعراق والجزائر والسودان وإيران في نهاية العقد.
صحيح أن العرب يركزون بشكل خاص على قضايا بلدانهم القطرية، لكنهم مازالوا قلقين بشدة أيضاً من إنكار الحقوق المشروعة للعرب الآخرين ومعاناتهم، سواء كانوا في فلسطين، أم في سوريا، أم في العراق، أم في اليمن. والعرب قلقون من برنامج إيران النووي، والقلق بهذا الشأن أكبر بشكل خاص في لبنان والعراق. وقد تعلّمنا من استطلاعاتنا للرأي عبر المنطقة، أن العرب يريدون أن يتحلى صناع السياسة الأميركية بالاتساق في التعامل، رغم أنهم لم يعودوا يعتقدون بإمكانية تحقق هذا. ويريد العرب أن تدعم الولايات المتحدة والقوى الخارجية الأخرى طموحاتهم، لكنهم يريدون في الوقت نفسه ألا تتدخل هذه القوى في شؤونهم الداخلية.
وأخيراً، العرب يريدون أن تلعب أديانهم دورها الصحيح في حياتهم ومجتمعاتهم، وهناك أغلبية قوية ترفض استخدام الدين كسلاح أو أداة سياسية. ووجدنا في استطلاعاتنا للرأي عام 2019، أن لدى العرب رغبة قوية في التعاون فيما بينهم. فقد أشار الخاضعون لاستطلاعات الرأي إلى أن اثنتين من أولى أولوياتهم في العقد المقبل، هما الاهتمام بالاستثمار بشكل أكبر لخلق عالم عربي أكثر استقراراً ورخاءً، وبناء وحدة سياسية أكبر بين الدول العربية. ونتائج استطلاعات الرأي تشير إلى أن هذه الأمور من النقاط الثابتة والموحدة وسط الرأي العام العربي. وهذه الأولويات صمدت أمام الاضطرابات المزعزعة للعقد الماضي، ونعتقد أنها ستواصل صمودها في العقد المقبل. صحيح أن كثيراً من التطورات التي ستقع عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العقد المقبل، ستتأثر دون شك بعواقب جائحة فيروس كورونا، لكن الساحة بها الكثير من الوقائع المزعزعة للاستقرار، التي أثارت القلاقل في المنطقة أثناء عقد الاضطراب الماضي.