في 20 أبريل الماضي، بعد ثلاثة انتخابات وطنية، وشهور من المناورات من قبل السياسيين، يبدو أن إسرائيل أخيراً لديها حكومة جديدة، لعدة أشهر كان العديد من المراقبين الخارجيين في أميركا وأماكن أخرى قلقين من أن يظهر بنيامين نتنياهو مرة أخرى، باعتباره رئيس حكومة لا منافس له، مدعوماً بشكل أساسي من قبل المتعصبين اليمينيين، وجزء من هذا القلق يتمثل في أن نتنياهو يهدد بضم الضفة الغربية من جانب واحد، وهو التهديد الذي شجعه الرئيس ترامب في 28 يناير، بإعلان خطته للاتفاق الإسرائيلي-الفلسطيني، كان الضم يمكن أن يكون كارثة للفلسطينيين، وربما أدى إلى تجدد العنف في الضفة الغربية وغزة، والآن وقد تم الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، تقلصت هذه المخاوف إلى حد ما، على الرغم من أنها لم تختف تماماً.
لقد اتسمت العملية السياسية الإسرائيلية بفوضى عارمة، خلال العام الماضي تم إجراء ثلاثة انتخابات وطنية، جرى التنافس فيها بين حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي حظيت بدعم أحزاب يمينية أصغر، وحزب «أزرق أبيض» الذي يتزعمه الجنرال المتقاعد «بيني جانتس»، والمدعوم من الأحزاب الأصغر المعارضة لنتنياهو، في جميع الانتخابات الثلاثة أظهرت النتائج أن الجمهور منقسم بالتساوي تقريباً، وكانت الهوامش الناتجة صغيرة للغاية، بحيث لم يتمكن نتنياهو ولا جانتس من تشكيل أغلبية في الكنيست (البرلمان) المؤلف من 120 مقعداً، والتي ستسمح لأي منهما بأن يصبح رئيساً للوزراء، وبعد كل انتخابات كان الرئيس الإسرائيلي، يقوم بدعوتهما لمحاولة تشكيل حكومة تحظى بدعم الأغلبية في الكنيست، ولكن لم يتمكن أي منهما من القيام بذلك، وعندما فشلوا بعد الانتخابات الأولى والثانية، كان يتعين إجراء انتخابات للمرة الثالثة.
وبعد إجراء الانتخابات للمرة الثالثة في 3 مارس، فشل الزعيمان مرة أخرى في الحصول على أغلبية في الكنيست، فقد فاز جانتس بـ 61 مقعداً من أصل 120، لكن تحالفه تضمن 15 عضواً عربياً، وحزباً صغيراً في ائتلافه كان مناهضاً للعرب، ورفض دعم حكومة تضم عرباً، لذا فلم يحصل حتى على أصواته الـ 61، وفاز نتنياهو بـ 59 مقعداً في الانتخابات، لكنه فشل في إضافة مقعدين آخرين لتحقيق أغلبية الكنيست التي يحتاجها للموافقة على حكومته.
كان الرئيس الإسرائيلي على وشك التخلي عن كل من جانتس ونتنياهو، ولكن لمفاجأة الجميع، أعلن جانتس في 20 أبريل أنه سيتعاون مع نتنياهو لتشكيل «حكومة وحدة» تجمع بين الجانبين، وفي عرضه الانضمام إلى نتنياهو، أبعد جانتس عدداً كبيراً من مؤيديه، الذين كانوا من أشد المعارضين لنتنياهو، وفي الحملة كان «جانتس» يعد باستمرار بأنه لن ينضم إلى نتنياهو، لذا فقد شعروا بالغضب، وانخفضت كتلته في الكنيست إلى 17 فقط، لكن إضافة هؤلاء اـ 17 إلى أنصار نتنياهو في الكنيست، شكلت أغلبية يمكن أن تؤيد حكومة وحدة.
وقد تم التفاوض بعناية على شروط اتفاق نتنياهو-جانتس، بموجب هذا الاتفاق، سيكون نتنياهو رئيساً للوزراء لمدة 18 شهراً، ويكون جانتس نائباً لرئيس الوزراء، ثم سيتم عكس الأدوار في الـ 18 شهراً التالية، وسيتولى جانتس منصب وزير الدفاع، وسيكون حليفه «غازي أشكنازي» وزيراً للخارجية، وسيحصل أنصار آخرون على حقيبة العدل وحقائب أخرى، أما أنصار نتنياهو فسيحصلون على حقائب الداخلية والمالية والصحة وبعض المحافظ الأخرى، لكن نتنياهو لن تكون له سيطرة واحدة على سياسات إسرائيل وتعيينات الحكومة كما هو الآن، وبعد 18 شهراً سيصبح نتنياهو وزيراً للخارجية.

فما تأثير هذا الاتفاق على السياسة الخارجية الإسرائيلية؟
أولاً، بصفته نائباً لرئيس الوزراء، سيتمكن «جانتس» من عرقلة أي سياسات خارجية وداخلية، وعرقلة جهود نتنياهو الأكثر تطرفاً المناهضة للعرب، ومثال على ذلك تهديد نتنياهو بتوسيع السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية من جانب واحد، والتي أعلنها بعد أن أعلن الرئيس ترامب خطته لحل القضية الإسرائيلية-الفلسطينية، ولم يدعم «جانتس» ضم الضفة الغربية من جانب واحد، وقال فقط إنه سيوافق على ذلك إذا كان هناك إجماع دولي على ذلك، ويعتقد معظم المراقبين أنه لا يوجد مثل هذا الإجماع الدولي، لذلك يبدو أن نتنياهو، كرئيس للوزراء في حكومة وحدة، لا ينبغي أن يكون قادراً على تنفيذ تهديده بالضم من جانب واحد، وفي حكومة الوحدة من نتنياهو، وافق «جانتس» على بيان مفاده أنه يمكن إعادة النظر في القضية في غضون تسعين يوماً، لذا لا يزال الأمر ممكناً، ولكن جانتس يستطيع منعه.
وعلاوة على ذلك، يشير المراقبون الإسرائيليون إلى أن أي ضم أحادي الجانب، سيتطلب نشر العديد من القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية للحفاظ على النظام، وعادة ما تكره القوات الإسرائيلية هذا الواجب، ويعلم جانتس، باعتباره جنرالاً متقاعداً، بالتأكيد أن الضم سيؤدي إلى مقاومة خطيرة من الجيش، لذا فمن غير المرجح أن يوافق عليه.
ومن المرجح أن يقوم جانتس بعرقلة أو تخفيف بعضٍ من سياسات نتنياهو الأكثر راديكالية، والتي يدعمها اليمين الإسرائيلي والمستوطنون، وأيضاً، لأن جانتس أدار حملة انتخابية بدعم من الكتلة العربية، فمن غير المرجح أن يكون معادياً للعرب بشكل علني مثل نتنياهو، على الرغم من أن الكيفية التي سيظهر بها هذا الاتجاه غير واضحة.
ربما كان أحد الأسباب الرئيسية وراء موافقة نتنياهو على تشكيل حكومة وحدة، هو لأنه فشل في تشكيل حكومة من دون جانتس، وفكر أنه لأن جانتس يريد أي يصبح رئيساً للوزراء لمدة 18 شهراً، فإنه سيحتفظ بنصيبه في الصفقة خلال الـ 18 شهراً، التي يكون فيها نتنياهو رئيساً للوزراء.
لقد أراد نتنياهو بشدة أن يكون رئيساً للوزراء، حتى في حكومة وحدة وطنية، لأنه يواجه محاكمة جنائية بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والتي من المقرر أن تبدأ قريباً، وباعتباره رئيساً للوزراء، ربما لا يمكن سجنه على الأقل خلال السنوات الثلاث مدة اتفاقه مع جانتس.
لذا فمن المرجح أن تكون الحكومة الإسرائيلية المقبلة حكومة وحدوية، على الأقل لبعض الوقت، على الرغم من الطبيعة الفوضوية وغير المتوقعة للسياسة الإسرائيلية، التي ليست مؤكدة بنسبة 100%، وإذا نجحت فعليها أن تقلل من نفوذ الجناح اليميني الإسرائيلي، والذي كان قوياً تحت قيادة نتنياهو، ونأمل أن يساعد «جانتس» في تخفيف بعض الميول القوية المعادية للعرب، والتي أظهرها نتنياهو حتى الآن، لكن السياسة الإسرائيلية لا يمكن التنبؤ بها.